| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
إن كنت ممن يتشوق لفهم الأسس والأطر والجذور لكل ما يحيط بك، وإن كنت ممن يحرص على فهم السنن الربانية وطبائع الأشياء التي تربط بين الأحداث المختلفة، وإن كنت ممن يقع في حيرة وارتباك من الأفكار والمعلومات والمعطيات المعرفية الوافدة إلينا من كل مكان، وإن كنت ممن يسعى ويبحث عن أركان وأطر لتفهم التاريخ والواقع وتتنبأ بالمستقبل في حالة شح المعلومات واضطرابها، وإن كنت شغوفا ومهتما بمعرفة المقولات والعبارات التي تنطوي على حكمة أو فكرة راقية أو قانون أخلاقي أو اجتماعي، لتوظفها بحياتك وتسقطها على أرض الواقع وتترجمها لسلوك وتطبيق عملي، وإن كنت ممن يتمنى ويطمح ليصبح سياسيا أو تربويا أو اقتصاديا أو ذات شأن في أي مجال من المجالات المتاحة، عليك بصناعة نفسك.
إن للإنسان قدرة في إظهار نفسه وتكوينها، والكشف عن مكنوناتها ومهاراتها التي تؤدي بها نحو عالم الإبداع والرقي في سماء العلو، إن اتبع وسار على آليات النهوض التي وهبه الله إياها، فمن عرف قدرات نفسه أحسن استعمالها، وانشغل بها عن غيرها، إن ما يحدث اليوم على الساحة المحلية من تراشق واتهام الغير ما هو إلا سببا لعدم صناعة النفوس، فتلك الفئة التي لا تمتلك القدرة على توجيه مشاعرها وأفكارها وإمكاناتها نحو ما تريد وتصبو إليه هي سببا رئيسا في تدهور البلاد والعباد.
لقد بات اتهام الأشخاص والخوض في مقاصدهم ونواياهم، أسهل من شربة الماء، قليلون هم من يستطيعون إدارة أنفسهم وضبطها والتحكم بها، والمصيبة إن كان أحداً منا يفتقر لإدارة نفسه ويتوج بمنصب لإدارة بلد بسياساتها وتوجهاتها، هل سيصلح ما أفسده الفاسدون؟! هل سينتج؟! هل سيرتقي بالبلاد؟! على ان سيكون قدوة لمن بعده؟! أشك في ذلك لعجزه عن إدارة ذاته.
إن إدارة النفس مرهون بالحكمة والعقلانية والاتزان، أي كيف يتعامل الإنسان مع الأشياء من حوله بالتعامل الراشد؟! وكيف ينظر للأشياء من حوله؟! وكيف يوجهها ويوظفها في حياته؟! ومن يتصدر ويضع نفسه في مقدمة السرب للتشذيب والإصلاح والإنتاج، لا بد أن يعرف ويفهم خصائصه وطبيعته، حتى يستفيد منها على الصعيدين الشخصي والعام، ولا يكون عائقاً لنهضة المجتمع، ويستطيع أن يصلح الواقع، ولا يقف عاجزاً أمام المؤامرات والإخفاقات، ويظل في تجديد مستمر، ويصبح أشد مرونة وقابلية للتغيير في كل شؤون الحياة بمنهج مقنن وناجح ومثمر.
إن اجتهدت بصناعة نفسك كما تريد أنت وليس كما يريد الآخرون، بدقة ونظام ووفق أطر وأساليب مقننة ومدروسة، ستحفظ نفسك من الاضطراب والارتباك، وتفعّلها لتحقيق أهدافها، وتنمية طاقاتها، وتجنبها الخوض في مقاصد الآخرين من دون علم ودراية، وسوف تستوعب كل ما يحاط بها من عماد وأصل طبائع الأشياء من حولها، وستكون لديك القدرة على الربط بين الأحداث واستنتاج الحلول والعلاجات للبلاد والعباد.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]