مها بدر الدين / الأخضر... دربه أحمر

1 يناير 1970 06:50 ص
| مها بدر الدين |
بعد الدابي وكوفي أنان جاء دور الأخضر الإبراهيمي ليستعرض مهاراته الديبلوماسية في المهمة الموكلة إليه من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية لإيجاد مخرج مناسب للأزمة السورية التي تتسع حلقاتها وتتشابك يومياً بحيث بات من المستحيل إيقاف النزيف البشري على مسرح الأحداث السورية دون إجراء عملية جراحية كبيرة تسمح لهذا البلد المنكوب بالتقاط أنفاسه واستعادة حياته الطبيعية.
ورغم أن الرجل يتمتع بخبرة طويلة في مجال فض النزاعات والتوسط بين الأطراف المتنازعة وله تاريخ طويل في هذا المجال حيث كان مبعوثاً ومفاوضاً ومندوباً في الكثير من الحالات المشابهة، إلا أن مهمته في التعامل مع الملف السوري مهمة معقدة وشبه مستحيلة ومحكوم عليها مسبقاً بالفشل، بل أن الإبراهيمي في قبوله لهذه المهمة المستحيلة إنما يغامر بتاريخه السياسي الطويل ويخضع خبراته وقدراته لامتحان غير منصف لحالة استئنائية.
فالإبراهيمي يتعامل في مهمته هذه مع ملف متشعب ومعقد وخطر، اختلطت فيه الأوراق، وتعارضت عنده المصالح والتوجهات، وتجاوز النزاع فيه حدود المنطق والإنسانية، وأصبح الصراع فيه على الوجود بعد أن كان على السلطة، واختار طرفا النزاع فيه الطريق الذي يراه الحل الوحيد للقضاء على الآخر، وأصبح الحل الديبلوماسي والسياسي أشبه بالإبرة التي ضاعت في كومة قش، خصوصا في ظل إصرار النظام السوري على استخدام آلته العسكرية لقمع الثورة التي يراها تهدد حلمه التاريخي في السيطرة الأبدية على مقاليد الحكم في المنطقة، وإصرار الشعب الثائر على المضي قدماً في ثورته ومواجهة هذه الآلة العسكرية لينهي حكماً ظالماً استعبده لسنوات طويلة خلت، وأصبح من الضروري التخلص منه لاستعادة حريته وكرامته وبناء مستقبل حر للأجيال القادمة.
وتأتي خطورة وصعوبة التعامل مع الملف السوري من أن التشاور والتفاوض لا يقتصر على طرفي النزاع على الأراضي السورية، وعلى محاولات تقريب وجهات النظر بين النظام السوري ومعارضيه، ونزع فتيل الأزمة بين نظام جائر و شعب ثائر، فالصراع في عمق الداخل السوري إنما هو في حقيقة الأمر إنعكاس لصراع دولي قائم بين معسكرين دوليين يحاول كل منهما الحفاظ على مصالحه في المنطقة والفوز بأكبر مساحة من المكاسب في هذه المعركة الضروس.
فقد انقسم المجتمع الدولي في مواقفه السياسية من الأزمة السورية إلى معسكر مؤيد للنظام السوري وداعم مطلق لها متمثلاً بإيران وروسيا والصين، وإلى معسكر معارض لهذا النظام بدعوة تبني الديموقراطية والحرية وأحقية الشعوب بتقرير مصيرها متمثلاً بالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، فإذا أضفنا بعض الفصائل والأحزاب والجماعات المعنية بهذا الصراع في الداخل والخارج نجد أن على الإبراهيمي أن يبذل جهدا مضاعفاً ونشاطاً تشاورياً خارجياً قبل أن يزور دمشق لتقييم الوضع على أرض الواقع.
ولكن يبدو أن الرجل الأخضر لم يعط هذا الملف الشائك حق قدره، وبدا من خطواته الأولى نحو دمشق أنه يتعامل مع الوضع السوري بطريقة روتينية وديبلوماسية بيروقراطية لا تتناسب مع حجم المعاناة التي يعانيها الشعب السوري وعدد الشهداء الذين يسقطون يومياً والدمار الممنهج الذي يطول جميع الأراضي السورية، وما محادثته مع المعارضة السورية المسلحة والتي تعتبر الفصيل المعارض الأقوى على الأراضي السورية عن طريق (السكايب) إلا تكلفاً منه وترفعاً عن النزول إلى الشارع السوري لتقييم الوضع من قلب الحدث رغم دعوة الجيش الحر له لزيارة الأراضي المنكوبة لتوثيق شهادته بشكل عملي، كما أن زيارته لمخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن إلا تأكيد على أنه يورد الإبل من حيث لا تورد، وهو بهذا يسطح مهمته ويحولها من مهمة نزع فتيل حرب قائمة إلى مهمة إغاثية لشعب يرفض هذا التفضل منه.
وما تصريحاته التي تساوي بين الحق والباطل، وبين القاتل والمقتول بعد زيارته لقصر المهاجرين إلا تأكيد على أن الهدف الأساسي من مهمته كانت لإعطاء المزيد من الوقت للنظام السوري لترتيب أوراقه وإعطاء ورقة توت للمجتمع الدولي يغطي بها عوراته السياسية والإنسانية التي كشفت في هذه الأزمة، وربما تأكيد لشكوك المتشككين في توجهات الإبراهيمي في هذا الملف وهو الجزائري الجنسية والذي تربطه بنظامه الداعم للنظام السوري علاقات جيدة.
الأخضر الإبراهيمي ليس لدربه إلى دمشق من اسمه نصيب، فدربه أحمر.