أثناء دراستي في الولايات المتحدة الأميركية كان هنالك نهر صغير يمر في المدينة الصغيرة التي فيها الجامعة، ويبدو بأن مساره كان يعرقل إقامة بعض المنشآت فما كان من ادارة المدينة الا ان حفرت للنهر مسارا حول المدينة في حدود بضعة كيلومترات وحولت مجراه الأصلي.
الشاهد في القصة هو أن الدكتور الذي يدرسنا، قد وقف في الفصل ليفتخر أمام الطلبة بما حققته المدينة، وقال لنا: «نحن الأميركان لا يعجزنا شيء وإذا أردنا فعل شيء فعلناه، فقلت في نفسي - طبعا لم اصارحه به - على ماذا تفتخر؟! على شق حفرة صغيرة لتحويل مسار النهر. ضربت هذا المثل لأبين بأن شعوب الدول المتقدمة كثيرا ما يتفاخرون بانجازات حكوماتهم ودولهم ويبرزون الجوانب الايجابية منها، وتجد عندهم الاعتزاز بأنفسهم.
ونرى في بعض بلدان الخليج العربي بان الاعلام كثيرا ما يبرز الايجابيات ويضخمها لكي يشعر المواطن بالفخر والاعتزاز، حتى علماؤهم ومشايخهم يركزون دائما على مدح المسؤولين وابراز ايجابياتهم بالرغم من وجود السلبيات وهذا امر طيب يحتاج اليه الناس في حياتهم حتى لا يصابوا باليأس والقنوط- طبعا دون إهمال الحديث عن الجوانب السلبية ولكن من دون تضخيم.
في الكويت اصبحت السمة البارزة لاعلامنا المنفتح ولاحاديثنا في الدواوين وللقاءاتنا وندواتنا هو الجانب المظلم من الأمور ولجلد الذات وللتسفيه والتخوين وصبغ الامور بالصبغ الأسود الذي لا مجال فيه لنقطة بيضاء، وتساهم ممارسات نواب مجلس الأمة وخطاباتهم في تهويل الامور إلى درجة تيئيس المواطن من امل الاصلاح، بل ان سياسة الشتم والتخوين قد اصبحت اقصر طريق للوصول إلى مجلس الامة، ويكفي ان يتكلم فلان- البليغ- عن مسؤول حكومي ويشتمه حتى يجد من يصفق له ويعطيه صوته ويرفعه على الأعناق، ويكفي ان يكتب فلان كلاما بذيئا في حق الآخرين في التويتر حتى يتضاعف المتابعون له ويتناقلوا «تويته».
حتى على مستوى التكتلات النيابية وجدنا بأن بعض التكتلات التي فشلت في استقطاب الأتباع قد غيرت من لهجتها وسياستها وبدأت بممارسة الشتم ضد المسؤولين فارتفعت أسهمها، وعندما تكلم بعض العقلاء عن وجوب احترام ولي الأمر وعدم التجريح فيه أمام الملأ ليس فقط لأنه أمر ديني متفق عليه ولكن كذلك لأن التجريح بولي الأمر وإسقاط هيبته امام الناس يفتح ابواب شر عظيمة ويعجل بانهيار المجتمع، عندما تكلم البعض عن ذلك الامر بدأ الآخرون بتخوينهم ووصفهم بالعمالة للسلطان والقبض مقابل كلامهم، بل اصبحنا نردد بأن هؤلاء النواب ليس لهم امل في النجاح لانهم حكوميون وانبطاحيون وأقولها وبكل ثقة بأن كثيرا من نوابنا- من الاغلبية والأقلية- لو سحبت عنهم بساط الشتم والتخوين، لأصبحوا دمى محنطة وطبولا فارغة لا تصلح حتى لصب الشاي في المجلس.
لقد بالغنا في سلخ ذواتنا وتمزيق مجتمعنا بحجة الاصلاح فما ازددنا غير انحدار، فهلا جربنا سلاح الأمل والتفاؤل؟!
د. وائل الحساوي
[email protected]