قراءة / في ديوانها الشعري الثاني

أفراح مبارك الصباح فتحت «صندوق» شِعرها لتقرئنا قصائد متفاعلة مع روح الحياة والإنسان

1 يناير 1970 09:52 م
| كتب مدحت علام |
تبدو التجربة الشعرية عند الشاعرة الشيخة أفراح مبارك الصباح قريبة من روح الإنسان، الذي يتفاعل بشكل صريح مع الحياة، بكل ما يحفل بها من أحلام وآلام... وأحياناً سعادة.
وفي ديوانها الثاني «صندوق»... استطاعت الشاعرة أفراح مبارك الصباح الوصول الى مستويات عالية من المشاعر الإنسانية تلك تتوهج فيها الرؤى والمضامين بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء.
والديوان يعد امتداداً... للديوان الأول «عويل لصمت لا يسمع»... والذي افتتحت من خلاله رؤى تعبيرية وانطباعية للواقع، من خلال كلمات- رغم بساطة تراكيبها ومفرداتهات - غير أنها تثير في مشاعر المتلقي الدهشة، وتدفعه دفعاً للتفكير في المحتوى الذي تتضمنه قصائد الديوان، وهذه الميزة انفردت بها أفراح مبارك الصباح، بتلقائية، ومن دون تصنع، فالمفردات معبرة عن الحالات.
وقدمت الشاعرة ديوانها في طبعة فاخرة تليق بما يتضمنه من قصائد متميزة، في أكثر من 208 أوراق من الورق الكبير، ولقد احتوى على صور لصناديق وزخارف أضافت الى نصوص الديوان معاني مختلفة.
بدأت الشاعرة ديوانها بإهداء أسري: «إلى أبي، أمي، إلى عماد وأبنائي شكراً... ثم استهلت القصائد بباب احتوى على عدد من القصائد تحت عنوان (عبرة)».
أغني حزناً
تملأه المنافي وصندق
خيمة تشد أوتارها عروقي
وبرها دمعة
وعبقها عبرة
هكذا قسمت الشاعرة ديوانها الى أبواب تحمل عناوين إنسانية، ويضم كل باب عدداً من القصائد، كي نقرأ في الباب الآخر وعنوانه «وطن» قصيدة تحمل عنوان «الكويت في الثالث والعشرين من ابريل 2009» تقول فيها:
حتى
تحتل المستحيل
وتعلن الحصار على بقع الضوء الباقية
وتسجل نفسك في دفتر زوّار العبور
تكون قد افتعلت الخيبة
وفي باب «صخب الدموع» حرصت الشاعرة على أن تبدو الرؤية ذات مضامين متفاعلة مع المشاعر الإنسانية، في سياق حسي متحرك في أكثر من اتجاه لتقول في قصيدة «العبارات حين تتوهم»:
العبارات
حين تتوهم
الكلمات حين تخجل
علامة الاستفهام حين تتصدع
كل هذه الورود الملقاة كانت قصيدة ساهية!
بينما بدت التجربة الشعرية في باب «حنين» متوهجة بالحيوية ومتفائلة - نوعاً ما - بالإنسان الذي يحركه الحنين، ويجعله متفاعلاً بشفافية مع مشاعره كي تقول في قصيدة «أتمنى وأنا أشاهد منظر القسوة»:
أتمنى
وأنا أشاهد منظر القسوة
أن أرتمي في أحضان النهر
وأقول «اللا معقول من الحكاية»...
أشرد كنهار طويل
وسط زحام من الأنوف المزكومة.
وفي سياق جميل وبكلمات قصيرة تقول عبر نص «أسكن ضوءك»:
للنهار
عتمة
كأثر خطوة مفقودة
صخب صمت لا يطاق
مفاتيح بيانو
تطرق أملاً يتغنى
يبعثر جيوب خيال نائم
ظلمة... وأي ظلمة
زرقاء بلون شجن وإغواء
«أسكن ضوءك».
واستلهمت الشاعرة - في باب «على جناحي الأمل - الكثير من الايحاءات الأدبية ذات الايقاعات الشعرية المتوهجة بالحلم، وذلك عبر لغة متحررة من التصنع ومتضامنة مع البساطة والوضوح، وفي سياق حسي جميل لتقول في قصيدة «حتى»:
حتى تبقى لغتي عالقة ما
بين رمح ولحظة التصويب
الفكرة لم تنضج بعد... لم تر النور
النية في الحديث عندما تشغلك
أصل الحرف والحرف أصل
عندما تسند يدك على القلم
لحظة المغيب أو مغيب اللحظة
تثق أن الورقة صدر رحب تستمتع لتنهداتك
الورقة أم بوجهها الطيب.
وفي باب «هذيان الموج»، تفاعلت الشاعرة مع الطبيعة في توافق فني بين الكلمة والخيال، كي نقرأ قصائد ذات منولوج داخلي متواصل مع مشاعر الإنسان كي تقول في قصيدة «انتهى البيان»:
لهيب يصهر قوالب من حنان
فراق أصفر
عند الظهيرة
فتاته يرميها بأسى لعصافير القلب
ثلج
يذوب
على صخر أمس.
في حين يتبدى الفعل الإنساني حاضراً - وبقوة - في - باب«أنين» ومن ثم نرى الشاعرة، وقد تواصلت مع مشاعرها الإنسانية، في سبيل كشف الكثير من الرؤى المتعلقة بالحياة، كي تقول في قصيدة «وكانت رسالة»:
الصمت يستظل الكلام البنفسجي
تعبر مداه تقاطعات الرغبة الوحشية
خربشات على أغصان من شوك وخناجر
كلمات تاقت روحي إلى العبور...
انسل لحن صامت
من نايات الأغصان.
واختتمت الشاعرة أفراح مبارك الصباح ديوانها بعبارة مفتوحة: «ويظل السؤال...!» تاركة المجال لطرح العديد من الأسئلة، تلك التي تتولد من متونها أسئلة وتتفجر علامات تعجب... لتظل كذلك الاجابة غير قادرة على التشكل والوضوح في أزمنة الألم والأنين، والبعد عن روح الإنسان.
هكذا فتحت لنا الشاعرة الشيخة أفراح مبارك الصباح «صندوق» شعرها، كي تقرأ علينا ما تيسر من قصائد تحرك السكون، وتبدد الصمت، في محاولة لتمهيد الطريق أمام الحلم... الذي تريده أن يتحقق في عيون كل البشر.