نحو ألق ثقافي

أبو الدستور وشاعر البحر

1 يناير 1970 04:33 ص
| د. علي العنزي |

رغم إيماني بأن المستقبل لا يكمن في الماضي... فلطالما تساءلت... كيف لنا الإفادة من دروس التراث الفكري الإنساني الكويتي في صياغة واقعنا وتاريخنا؟!

ولا جرم، في أنه لا غضاضة في القول، إن الكتب التي ناقشت التاريخ المحلي من منظور سوسيوثقافي، بوعي تاريخي، ومنهجية علمية، مكبوتة في الأقبية والدهاليز!

ولا نزاع في أن المستقرئ للتراث الكويتي، يعلم جيداً بوجود مؤلفات عديدة مهمة أخرى، في متناول اليد، رصدت تاريخ الكويت سردياً، وتعاقب على تجشم عناء تأليفها، نخبة من مثقفي الكويت منذ النصف الأول من القرن الماضي في السنوات الأخيرة أيضاً، جاءت المنارات القيمة التي تبنى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إصدارها، إضافة تراثية تاريخية مهمة، بيانها المنارة التي كتبها، منذ مدة، الأستاذ عبد الله الخلف حول الجوانب الاجتماعية من حياة الشاعر محمد الفايز.

يذكر الخلف في منارته حكاية من التراث الفكري الإنساني الكويتي، تحتاج إلى إلطاف النظر فيها، وتأملها للإفادة من دروسها.

يكتب الخلف على لسان مؤسس مجلة الرسالة جاسم المبارك الجاسم، أن الفايز بدأ حياته قاصاً، وأن المغفور له الأمير الأسبق الشيخ عبدالله السالم، طلب شخصياً، من وزير الإعلام المغفور له الشيخ جابر العلي أن يجمعه بالفايز، الذي كانت أقاصيصه، التي ينشرها في الرسالة، «تثير صخباً من التساؤلات في المجتمع الكويتي».

كان الفايز شاباً مغموراً في واقع الحال وكان وقتذاك، يكتب تحت اسم مستعار هو «سيزيف»، ولم تستدل وزارة الإعلام ولا مجلة الرسالة لهذا السبب على عنوان سكنه، فقام المعنيون بالمجلة بنشر إعلان خبري على مدى ثلاثة أعداد، يدعونه من خلاله إلى الحضور في أقرب فرصة إلى المجلة، لدرجة أن الفايز نفسه قد شعر بالدهشة، فحضر إلى مكتب الوزير ملثماً ليستكنه حقيقة الموضوع، ولما علم بالرغبة الأميرية، لم يستوعب الخبر، وبقي فترة صامتاً مطوحاً بخياله بجفول، متسائلا: «أنا يطلبني سمو الأمير؟!«.

ومن الشائق، أن الفايز لم يصدق الخبر الذي سيكون علامة فارقة في حياته، فقال له المبارك إن اللقاء بسمو الأمير مكرمة أميرية، وأنه سيرافقه إلى القصر، وطلب المبارك موعداً للقاء سمو الأمير، وتم اللقاء، وتبين أن المغفور له كان يقرأ سلسلة القصص التي نشرت للفايز، وكان يناقش مؤلفها فيما نشر.

وتبوأ هذا اللقاء الأبوي، بما اكتنزه من قيمة، مكاناً أثيراً في قلب الفايز، وكان الذخيرة التي فجرت ينابيع إبداعاته، لتأليف ملحمة شعرية رائدة في لغتها، ثرية في دلالاتها، تحيي رفات الماضي، وتلخص كينونة الغواص وتخالط وجدانه في لجة البحر، فصاغ ملحمته (مذكرات بحار) في عشرين مذكرة، وكانت شعرا وارف الظلال، لم يعجز ثراء اللغة ودقتها، حتى ليكاد القارئ يشتم بين تفعيلته رائحة البحر.

هكذا إذا نستحضر هذه الحكاية التاريخية الحيوية، التي حاز صاحبها قصب السبق بشكل لم يسبقه إلى صنيعه أحد، حتى صار حقيقاً بلقب شاعر البحر.

ومع هذا الاستحضار التاريخي، نتساءل من دون مواربة وبعيداً عن المفاضلة بين زمنين، كيف ألفينا بعد كل هذا الإرث، مشروعاتنا الفنية العظيمة؟ ولماذا صمتت إبداعاتنا كل هذا الصمت؟

إنه لا مرية، في أننا نشعر بالضيق على أجيال تعيش واقعاً لا يتيح لها فرصة أن تتفتح وتبني وعيها في مناخ إبداعي حقيقي...

وسواء كانت عزلة اختيارية، أم أنيميا ثقافية؟ فلأجل الكويت حتماً لابد من انصهار الماضي بالحضر، والنظر إلى الثقافة والفنون والآداب من خلال خصوصيتها، وفك ارتباطها بأحوال الكمون التي انسلكت في خانتها!



* أستاذ النقد والأدب



@Dr_criticis