عمره 33 عاماً... ولا يعرف له اسما ولا أصلاً ولا فصلاً
«الضائع» لـ «الراي»: أعيش في الكويت منذ الغزو الغاشم ولا أعرف «هل أنا قطري أم عراقي أم كويتي»
1 يناير 1970
06:14 م
|كتب ناصر الفرحان|
«يبا مشتاقين لك... تعال نشوفك»!
هكذا يتوسل الطفلان الصغيران لابيهما المنفصل عن امهما - عبر سماعة الهاتف - لكي يطفئا جمرة تشوقهما لرؤيته التي تأخرت اربعة اشهر، لكن الاب لا يستطيع تلبية توسلاتهما، ليس لانه لا يحبهما، او لانه متعب يعيش في بلد آخر، ولا يستطيع الحضور... بل لانه لا يملك ثمن وجبة للصغيرين إذا خرج معهما، فضلا عن فشله في شراء لعبة لهما مهما رخص ثمنها!
الاب الذي يعيش على ارض الكويت - بلا شخصية أو هوية - ويبلغ من العمر 33 عاما، رغب في البوح على صفحات «الراي»، والكشف عن علامات الاستفهام الحائرة في اعماقه، بعد ان باءت بالفشل كل محاولاته للبحث عن اسرته واصله وفصله، حيث لا تربطه بعالمنا «ورقة» واحدة تشير - ولو من بعيد- إلى الشجرة التي سقط منها... بلا اسم أو عنوان، إلى حد انه لقب نفسه بـ «الضائع»، كي يتمكن من عرض مأساته الغريبة!
«الضائع» روى لـ «الراي» تفاصيل حكايته قائلا: «عمري 33 عاما، هذه هي المعلومة الوحيدة التي املكها عن نفسي، فانا لا اعرف من هما والدايّ ولا جنسيتهما، والاهم اين هما، وما علاقتهما بالعائلة التي ربتني، وبعد ان ترعرعت في كنفها، اكتشفت انها ليست اسرتي وليست لي صلة بها!».
وواصل: «وعيت على الدنيا طفلا مدللا اعيش في ترف، ووفقا لما اتذكره عندما كنت في السادسة من عمري، كنت اعتقد ان المرأة التي احيا في بيتها هي امي، حيث كنا نعيش في دولة قطر، حتى إني اذكر في احدى سفراتنا ان سلطات المطار هناك رفضت السماح لي بصعود الطائرة، قبل ان يصادروا مني كلبي العزيز الذي كنت احمله معي، وبكيت من اجله بكاء مريراً!».
وتابع: «لا اتذكر - على الرغم من ذلك - الجهة التي كنا نسافر اليها، لكني اذكر أنني في العاشرة من عمري سافرت مع من كنت اظنها والدتي إلى العراق، وتحديدا مدينة كربلاء وهناك قبض علينا الامنيون العراقيون، وكان ذلك عام 1988، واودعونا معتقلا كان يضم عائلات اخرى، وكانوا يستدعون والدتي للتحقيق في اوقات متفاوتة، ولا اعرف ماذا كانت التهمة الموجهة لها، لكن فترة اعتقالنا انتهت، واستأجرنا منزلا قديما في حي فقير عشنا فيه ظروف العوز والحرمان، واذكر ان امي مرضت مرضا شديدا انتهى بوفاتها قبل ان اكمل عامي الحادي عشر، وبعدها بعامين التقتني امرأة كانت تعرف والدتي، وبادرتني قائلة: انت اهلك في الكويت، وليس لك احد بالعراق».
وزاد: «اللقاء الذي جمعني بصديقة والدتي حصل في فترة الغزو، وكان عمري حينئذ 13 عاما، وادخلتني المرأة الاراضي الكويتية وسلمتني إلى عائلة كويتية تقطن منطقة بيان، وقد احتضنني افراد العائلة جميعا، وعشت بينهم كواحد منهم، حتى بعد وفاة والدهم رحمه الله، واعتقد ان كبير هذه العائلة - كما قيل لي - كان ابن عم والدتي، لكني لا الوم هذه الاسرة الطيبة على حرماني من التعليم، حيث لم ألتحق بأي مدرسة، وظللت في كنفهم حتى بلغت السابعة عشرة، حيث عرفت أنني لست ابن هذه العائلة، كما صدمتني حقيقة افتقادي اي ورقة رسمية تثبت من انا، ومن اي مكان جئت!».
وأردف: «هنا عرفت أنني ضائع بلا ميلاد او جنسية او هوية، وكأنني ورقة ذابلة في عين عاصفة، وفي عام 1992 اشتكت عليّ جارة في المخفرة واتهمت العائلة التي ربتني بأنها جلبتني من العراق، فقبض عليّ رجال الامن في مخفر بيان، وبقيت محتجزا فترة قصيرة قبل ان يشرح عائلي للضابط ابعاد حالتي، حتى وافق على الافراج عني، وحاول استخراج اي اثبات يحقق هويتي، فعجز تماما عن التوصل إلى اي شيء».
وزاد: «في الثانية والعشرين من عمري استوقفتني نقطة تفتيش، واحالوني على مخفر الصالحية، لعدم حملي اي اثباتات، وكان ذلك في عام 2000، ولقيت من رجال الامن والمباحث في العاصمة على مدى اسبوعين معاملة راقية وانسانية، واحالوني على ادارة الادلة الجنائية لاخذ بصماتي ومطابقتها بما لديهم فلم يجدوا عني اي معلومات، فسعوا إلى مضاهاة بصمتي الوراثية مع احدى بنات العائلة لاثبات نسبي، واستخراج اثبات رسمي، لكنهم عادوا وسحبوا كتاب الاحالة بذريعة أنني لا املك اثباتا رسميا، على الرغم من ان البصمة الوراثية هي الجسر الذي سيصل بي إلى الاثبات وليس العكس!!».
وواصل: «بعدها افرجوا عني بغير كفالة واخذوا تعهدا من الابن الاكبر للعائلة التي ربتني بان يضمن احضاري اليهم في اي وقت يشاؤون. وفي عام 2003 تزوجت من فتاة لا تحمل جنسية بحكم محكمة وبمساعدة محام، حيث لم يسجل في الحكم الا اسمي الاول فقط، ورزقني الله طفلين، كنت اعاني في الحصول على لقمة الخبز او قرص الدواء او ثوب يرتديانه، ولم استطع بطبيعة الحال ان احصل لهما على اي اثبات باستثناء بلاغ الميلاد، وبعد ما ضاقت بي سبل البحث عن فرصة عمل، لخوف اصحاب الاعمال من توظيفي بلا اثبات، لم استطع الحاق ابني الاكبر بالمدرسة، وانتهى المطاف بانفصالي عن زوجتي التي فشلت في تحقيق الحد الادنى من احتياجاتها، واصطحبت معها الطفلين اللذين لم اعد أراهما الا نادرا، حيث لم تقع عيناي عليهما منذ 4 اشهر، وعلى الرغم من الحاحهما على رؤيتي، وقولهما لي: يبا مشتاقين لك... تعال نشوفك انني اتحسر على عدم امتلاكي وجبة غداء اقدمها لهما، أو مأوى التقيهما فيه، فمعظم الليالي ابيتها في عراء الشوارع او دواوين بعض اصدقائي».
وختم من وصف نفسه بالضائع حديثه قائلا: «اذا كان الشطر الاكبر من عمري مضى من دون هوية كأنني نقش على سطح البحر، فمن اجل طفلي اناشد المسؤولين في وزارة الداخلية مساعدتي لايجاد حل لازمتي، عن طريق التنسيق مع السلطات القطرية لاعانتي على التعرف على بيانات والدتي التي كانت تقيم هناك في طفولتي، وحتى لو ظهر انها ليست والدتي، فربما تفيدنا الملفات بأي معلومات عن اصلي او من اين تبنتني، حيث اخبرتني العائلة التي ربتني بان من كنت اظنها امي التقطتني من احدى دور الرعاية، فمن يعيد إليّ هويتي... حتى لا اكمل عمري بلا هوية!».< p>< p>< p>