في دراسة بعنوان «أساليب المعاملة النفسية لنزيلات السجن المركزي والخدمات الاجتماعية المقدمة إليهن»

أمثال الحويلة: تحسين أوضاع السجينات بما يتناسب ويتفق مع قوانين حقوق الإنسان

1 يناير 1970 06:27 م
أشارت عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس في جامعة الكويت الدكتورة أمثال هادي الحويلة، في دراسة لها بعنوان «أساليب المعاملة النفسية لنزيلات السجن المركزي في الكويت والخدمات الاجتماعية المقدمة اليهن»، الى ضرورة ربط مدة العقوبة لنزيلات السجون بأساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية، وايجاد برامج تأهيلية واضحة وفعالة للسجينات يقوم على تنفيذها متخصصون كل فى مجاله سواء من الناحية الاجتماعية أو النفسية، وتحسين أوضاع السجينات داخل السجن بما يتناسب ويتفق مع قوانين حقوق الانسان، ولا يتعارض مع القيم والعادات المجتمعية، والعمل على تنمية مهارات السجينات فى التعامل مع المشكلات وطرق حلها ايجابياً، وضرورة تزويد السجون بالكادر المؤهل والمدرب والاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لمتابعة السجناء، باعتبار أن وظيفة السجون الاصلاح والتأهيل، وليست مؤسسات للعقاب فقط، والعمل على تحسين الخدمات المقدمة، وتحسين سبل الحياة داخل السجن، وبعد الخروج منه.

وشددت الدكتورة أمثال الحويلة، في دراستها على أهمية أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية، «التي تعد من التدابير والاجراءات الأساسية التي تعتمد عليها عمليات العلاج والتأهيل للمجرمين، لما لها من دور فعال في مساعدة المجرم في التغلب على مشكلاته النفسية والاجتماعية بعد عودته للمجتمع الخارجي، بالاضافة الى تزويده بالأساليب الناجحة التي تعيد توازنه وتحقق تكيفه الشخصي والاجتماعي»، لافتة الى أن «الغرض الأساسي الذي تستهدفه العقوبة السالبة للحرية هو تأهيل واصلاح المحكوم عليه، فالتأهيل وما يرتبط به من أساليب المعاملة العقابية ليس محض التزام تفرضه الدولة على المحكوم عليه فقط، ولكنه كذلك حق له من قبل الدولة».

وقالت ان «هذه الدراسة هدفت الى التعرف على أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية لنزيلات السجن المركزي في الكويت، في محاولة لفهم أوضاعهن واحتياجاتهن بهدف تطوير وتحسين الخدمات المقدمة لهن، وتسهيل تأهيلهن واعادتهن الى المجتمع، واندماجهن بحياة أكثر انتاجية بعد انقضاء فترة العقوبة».

وبينت أن «أهم ما أسفرت عنه النتائج وجود أساليب معاملة نفسية سلبية ملحوظة على معظم نزيلات السجن، حيث يتم اذلالهن أمام الأخريات، ثم احتقارهن والتقليل من شأنهن، وعزلهن عن الأخريات، وتعرضهن للامتهان النفسي داخل السجن، وتعرضهن لألفاظ نابية من قبل أحد العاملين أو النزيلات، أما عن الخدمات الاجتماعية فكانت وجود وسائل ترفيهية أو أنشطة رياضية، وممارسة الأنشطة والهوايات، ووجود علاقات اجتماعية لدى النزيلات داخل السجن، يليها تأثير هذه العقوبة على الأسرة والأصدقاء، وتأثر علاقاتهن الاجتماعية بعد خروجهن من السجن، وتفاعلهن الايجابي مع الخدمات المقدمة لهن، وتمتعهن بخدمات مقدمة من الادارة أو مشاركتهن فيها، ووجود جهة معينة تستقبل شكواهن».

وأوضحت الباحثة أن مشكلة الدراسة تنبثق من التساؤلات التالية:

1- ما أساليب المعاملة النفسية لسجينات السجن المركزي في الكويت، وما مدى ترتيب هذه الخدمات حسب انتشارها؟

2- ما الخدمات الاجتماعية لسجينات السجن المركزي في الكويت، وما مدى ترتيب هذه الخدمات حسب انتشارها؟

3- هل توجد فروق بين أفراد عينة البحث في أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية، تبعاً للحالة الاجتماعية؟

4- هل توجد فروق بين أفراد عينة البحث في أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية، تبعاً لمدة العقوبة التي تقضيها كل منهن في السجن؟.

وأشارت الى أن أهمية الدراسة تتبلور من خلال المحاور الآتية:

1- أصبح الاهتمام بدراسة المحكوم عليهم بعقوبة السجن في الآونة الأخيرة، من أكثر الموضوعات أهمية في علم النفس الجنائي ودراسات السلوك الانساني، ولكنها برغم ذلك الاهتمام لم تحقق تطوراً بحثياً يليق بها، خصوصا تلك المتعلقة بدراسات النوع أو التي تركز على النساء منها.

2- تزايد أعداد السجناء بشكل عام، والنساء منهم على وجه الخصوص عالمياً، حيث أوضحت الاحصائيات أن نسب جرائم النساء رغم تفاوتها بين دول العالم، وضآلة نسبتها مقارنة بجرائم الذكور، الا أنها في ازدياد، ففي الدانمارك بلغت نسبة النساء المجرمات الى اجمالي المجرمين 14 في المئة، أما بالنسبة للدول العربية فقد تبين أن المرأة في الجزائر مسؤولة عن حوالي 6 في المئة من الجرائم، مقارنة بالجرائم التي يرتكبها الرجل، وهي نفس النسبة تقريباً في كل من المغرب وتونس، وفي مصر بلغت نسبة الجرائم التي ترتكبها اناث 5 في المئة، الى اجمالي الجرائم التي ترتكب سنوياً، وتنخفض هذه النسبة في الجنايات، فلا يزيد في أغلب الأحوال على 4 في المئة، أما في المجتمع الكويتي، فالوضع مشابه لما هو في المجتمع السعودي، وباقي المجتمعات العربية بالنسبة لضآلة نسبة النساء الى الذكور في ارتكاب الجرائم، وكذلك تزايد نسبة مرتكبي الجرائم بشكل عام، (3686 للنساء مقارنة بـ 24774 للرجال في عام 2000، و2322 مقارنة بـ 17672 في عام 2008)، وبالنسبة للتوزيع العددي للسجناء (1963 سجينا بالسجن العمومي، مقارنة بـ 319 سجينة بسجن النساء في عام 2008).

ويتضح من الجدول المرفق رقم (1) أن نسبة الكويتيات تقدر بحوالي 12.5 في المئة من مجموع قضايا السجينات، كما تشكل قضايا العرض والسمعة النسبة الأكبر منها 65.5 في المئة، ولكن يجب توخي الحذر عند محاولة تحديد الحجم الحقيقي لجرائم النساء وأنواعها حتى لا تضللنا الأرقام بسبب اختلاف صور التجريم في قوانين العقوبات بين الدول.

كما تبرز أهمية دراسة المحكوم عليهن بعقوبة السجن أهمية كبيرة لما أوضحته الدراسات العالمية من وجود العديد من الآثار السلبية المترتبة على الاقامة بالسجن، ومن ضمن تلك الآثار أن كثيراً من السجينات يعانين من مشكلات متعلقة بالاعتماد على الكحول والمخدرات، والأمراض المعدية والأمراض التناسلية، ومشكلات سوء التوافق داخل السجن وبعد الخروج، أضف الى ذلك تاريخا من الانتهاكات الجسدية والجنسية والنفسية المثبتة في العديد من السجون بمختلف الدول، هذه الحالات مجتمعة تسببت بتسجيل معدلات عالية من مشاكل الصحة النفسية والعقلية مثل اضطراب الكرب والاكتئاب والقلق والنزعة لايذاء النفس والانتحار لدى السجناء من الذكور والنساء، فعلى سبيل المثال لوحظ أن نحو 90 في المئة من النساء السجينات في انكلترا لديهن اضطراب نفسي مشخص، أو مشكلة تعاطي المواد التي تسبب الادمان أو كلاهما معاً.

وذكرت الباحثة، أن هذه الدراسة أجريت على عينة متاحة قوامها 30 نزيلة من نزيلات عنبر المحكومات بادارة سجن النساء في السجن المركزي في الكويت، ويتراوح المدى العمري للعينة ما بين 22 الى 52، بمتوسط عمري قدره 33.22 سنة، كما تراوحت عقوبة السجن ما بين سنة الى ثلاثين سنة، وقد روعي أن تكون العينة من مستويات تعليمية واجتماعية مختلفة. وأضافت «أما بالنسبة لأسباب وقوع أفراد العينة تحت طائلة القانون، فقد احتل سبب الاتجار بالمخدرات المرتبة الأولى من حيث التكرار ويليه السرقة، أما أقل الأسباب فكانت من نصيب كل من جرائم هتك العرض والنصب والدعارة والسرقة»،

وحول النتائج التي توصلت اليها الباحثة من خلال الدراسة تطرقت الدكتورة الحويلة، الى ما يلي:

الفرض الأول: أ- تتعدد أساليب المعاملة النفسية لنزيلات السجن المركزي في الكويت.

ويتضح أن أهم أساليب المعاملة النفسية لنزيلات السجون مرتبة كما يلي: أنه يتم اذلالهن أمام الأخريات، ثم احتقارهن والتقليل من شأنهن، ثم يتم عزلهن عن الأخريات، ويليها تعرضهن للامتهان النفسي داخل السجن، ثم تعرضهن لألفاظ نابية من قبل أحد العاملين أو النزيلات.

ب- الخدمات الاجتماعية للسجينات في السجن المركزي في الكويت، ويوضح نسب تكرار الخدمات الاجتماعية على نزيلات السجن مرتبة تنازلياً، حيث يتضح منه أن أهم الخدمات الاجتماعية لنزيلات السجنون مرتبة كما يلي: وجود وسائل ترفيهية أو أنشطة رياضية، وممارسة الأنشطة والهوايات، ووجود علاقات اجتماعية لدى النزيلات داخل السجن، ويليها تأثير هذه العقوبة على الأسرة والأصدقاء، وتأثر علاقاتهن الاجتماعية بعد خروجهن من السجن، وهل يتفاعلن بايجابية مع الخدمات المقدمة لهن، ويليها أنهن يتمتعن بخدمات مقدمة من الادارة أو يشاركن فيها، ووجود جهة معينة تستقبل شكواهن.

الفرض الثاني: تختلف أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية باختلاف الحالة الاجتماعية، والذي يبين وجود فروق ذات دلالة احصائية بين المجموعات الأربع، (المتزوجات والمطلقات والأرامل والعازبات)، من العينة الكلية في أساليب المعاملة النفسية، حيث بلغت النسبة الفائية(3.93)، وهذه القيم دالة احصائياً عند مستوى معنوية (0.05)، ولم تسفر نتيجة الجدول السابق عن وجود فروق بين عينات الدراسة من المتزوجات والمطلقات والأرامل والعازبات، في الخدمات الاجتماعية.

الفرض الثالث: تختلف أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية باختلاف مدة العقوبة.

وخلصت نتائج الفرض الأول: الى وجود أساليب معاملة نفسية سلبية ملحوظة على معظم نزيلات السجن، ومنها على سبيل المثال زيادة الشعور بالآلام النفسية أو عدم الراحة، والآثار السلبية على علاقات أفراد العينة من السجينات بالأسرة والأصدقاء، ومعاناتهن من القلق والخوف، واحساسهن المرتفع بالعزلة والاكتئاب وعدم الراحة.

وبالتالي نستخلص مما سبق مدى معاناة هؤلاء السجينات من أساليب المعاملة النفسية السلبية التي قد تتطور، ويتطلب ذلك تدخل فوري من قبل ادارة السجن، فخبرة السجن هي مصدر من مصادر المشقة النفسية».

وتابعت «أما عن الشق الثاني من النتائج والخاص بالخدمات الاجتماعية لأفراد العينة من السجينات، فقد جاءت هذه النتائج لتشير الى وجود خدمات سلبية كبيرة تعاني منها السجينات، وربما ترجع تلك النتيجة الى احجام النزيلات عن الادلاء والاقرار ببعض ما تعرضن له من ممارسات لا انسانية أو لا أخلاقية، ومخالفة لحقوق الانسان، وذلك لخوفهن من أن تعرف شكاواهن من قبل القائمين على السجن، أو يمكن تفسيره بمصطلحات الاهمال والتهميش لهؤلاء السجينات داخل السجون بشكل عام». ولفتت الى أن نتائج الفرض الثاني أسفرت عن وجود فروق دالة احصائياً بين متوسط درجات المتزوجات والمطلقات والأرامل والعازبات في أساليب المعاملة النفسية فقط، في اتجاه عينة المطلقات، وترجع هذه النتيجة الى أن معظم نزيلات السجون يشعرن بالضياع بعد ايداعهن في السجن نتيجة لغياب الزوج والأبناء والمحيط الأسري، كما ان نزيلات السجن لديهن شعور دائم بالاكتئاب والقلق والاحتقار والاذلال لما وصلن اليه في ظل الوصم الاجتماعي الذي اقترن بايداعهن في السجن، ويتولد نتيجة لذلك الاحباط النفسي الذي قد يدفع الشخص الذي يصفه المجتمع بالانحراف الى العودة للجريمة مرة ثانية، وخصوصا في المجتمعات التقليدية الشرقية، حيث تولي هذه المجتمعات قدراً كبيرًا من الأهمية للبعد الأخلاقي والانصياع للقانون». وبينت أن «نتائج الفرض الثالث أسفرت عن وجود فروق دالة احصائياً بين متوسط درجات (بسيط العقوبة، ومتوسط العقوبة، وشديد العقوبة) من العينة الكلية، في كل من أساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية في اتجاه ذات العقوبة الشديدة، كما أن النزيلات ممن يقضين مدة كبيرة في السجون لا يتمتعن بالتواصل الأسري وتبادل المعلومات والأفكار بين أعضاء الأسرة، ويكون التواصل هنا غامضا وغير مباشر، مما يؤثر سلبياً عن وجود مشكلات اجتماعية ونفسية لديهن، ويكن أكثر حساسية لأي معاملة فيها اهانة من قِبل ادارة السجن.وفي ختام دراستها، أوصت الباحثة الدكتورة أمثال هادي الحويلة، الى عدد من النقاط، وهي:

(1) نشر الوعي والتعليم والتثقيف الديني والأسري في صفوف المجتمع من خلال برامج التوجيه والارشاد الاجتماعي والنفسي.

(2) نشر الوعي الحقوقي والقانوني في أوساط المجتمع والنساء على وجه الخصوص للوقاية من الانحراف والجريمة.

(3) ربط الحالة الاجتماعية لنزيلات السجون بأساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية.

(4) ضرورة ربط مدة العقوبة لنزيلات السجون بأساليب المعاملة النفسية والخدمات الاجتماعية.

(5) ايجاد برامج تأهيلية واضحة وفعالة للسجينات يقوم على تنفيذها متخصصون كل في مجاله سواء من الناحية الاجتماعية أو النفسية.

(6) تحسين أوضاع السجينات داخل السجن بما يتناسب ويتفق مع قوانين حقوق الانسان ولا يتعارض مع القيم والعادات المجتمعية.

(7) العمل على تنمية مهارات السجينات في التعامل مع المشكلات وطرق حلها ايجابياً.

(8) ضرورة تزويد السجون بالكادر المؤهل والمدرب وبالاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين لمتابعة السجناء باعتبار أن وظيفة السجون الاصلاح والتأهيل ولم تعد مؤسسات للعقاب فقط.

(9) العمل على تحسين الخدمات المقدمة وتحسين سبل الحياة داخل السجن وبعد الخروج منه.