قدرت غلام نظامي: قضيت خمسين عاماً وأنا أبيع السمك في خيطان

1 يناير 1970 02:17 م


مع الزميل الديحاني


ضيفنا اليوم صاحب احدى المهن التي لا يستغني عنها بعض من الناس ألا وهي بيع السمك لقد قضى جل عمره وهو في هذه المهنة يحدثنا عنها كيف بدأ معها وما هي الطرق والآليات التي كانت توفر لهم السمك ثم يتطرق معنا بالحديث عن أنواع الأسماك التي هي أكثر مبيعاً لدى عامة المستهلكين أحاديث شيقة نتناولها مع ضيف حديث الذكريات يتخللها ذكر منطقة خيطان فهو شاهد عيان عليها حيث قضى فيها أكثر عمره منذ أن كان شاباً لا يتجاوز ستة عشر عاماً فلنترك له الحديث:

بلدي بإيران منطقة يقال لها كراش وهي تتبع شيراز وبها ابارحلوه مثل مياه الصحة ويزرع بها الحب والشعير والنخل وتحيط بها الجبال التي يكثر بها الصيد خصوصاً صيد الغزلان لم يكن والدي يقرأ ولا يكتب لذا ذهب الى قطر حيث عمل فيها مع اخي بإحدى المحلات التموينية (بقالة) أما أنا فقد ذهبت الى البحرين وعمري اثنا عشر عاماً وعملت ايضاً بإحدى المحلات التموينية (بقالة) على أجر سنوي مقداره سبعمئة روبية وكان هذا المحل في مدينة المحرق بعد ذلك انتهت مدة عملي عند زينل الملا وقال لي ترجع الى ايران ام تذهب الى قطر فقلت له اريد ان أذهب الى اخي ووالدي اللذين يعملان في قطر وفعلاً ذهبت الى هناك وعملت في منطقة الريان في محل حلويات وصاحب المحل كان اسمه زينل رجب وكان من ضمن الحلويات الرهش الذي يعمل بالدهن العداني ومكثت ثلاث سنوات فلم يكن هناك أناس كثيرون في قطر اما بالنسبة للراتب فكان ثلاثين روبية ولم أكن أحمل جواز سفر عند قدومي الى قطر او الى البحرين كان ذلك سنة 1954 لم تفعل هذه الهويات والاوراق الرسمية الناس يذهبون ويسافرون من دون ان يحملوا اي هوية او جواز سفر اردت بعد ذلك ان ارجع الى ايران فالمدة التي قضيتها بعيداً عن أهل أمي واخواني زادت عن ثلاث سنوات وتركت قطر وذهبت مرة ثانية الى بلدي في ايران.


الكويت

بعد رجوعي الى ايران قال لي أحد الاصدقاء تريد ان تذهب الى الكويت وكان اسمه غلام كريمي لايزال أولاده هنا في الكويت يعملون في مؤسسة النجار فقلت له نعم موافق ان اذهب الى الكويت فرافقته عن طريق الطيران وكان ذلك سنة 1956 والطائرة التي كنا بها هبطت في مطار الكويت الذي كان حينذاك في المنصورية وهي طائرة صغيرة ذات مروحة ومن المطار ذهبت الى براحة ابن حسن داخل الكويت القديمة المحاطة بالسور فعملت في هذه البقالة عاملاً بأجر سنوي سبعمئة روبية يبدأ عملي من الساعة الخامسة فجراً الى الساعة العاشرة ليلاً ولي استراحة في وقت الظهيرة ساعة واحدة ومحل اقامتي في احدى الحوط من البيوت القديمة وهي مسقوفه بالشندل والبقالة كان صاحبها علام كريمي أما ما كنا نبيعه من أغراض في تلك البقالة فيتناول جميع المواد الغذائية حيث لم تكن الجمعيات التعاونية متوافرة في الكويت وايضاً كنا نبيع الفحم والسكر والشاي والعيش والثلج والنفط الذي تُضاء به السرج.


خيطان

خلال عملي بالبقالة تعرفت على عبدالعزيز عبدالله الزيد الذي كان ابا لي بالكويت وقد انتهى عملي بالبقالة فجاء ليشتري بعض الاغراض فعلم ان عملي انتهى بها فقال لي تعالى اعمل معي في منطقة خيطان وكان ذلك سنة 1957 وحملني معه في سيارته وذهبنا سوياً الى بيت نسيبه سعد ابراهيم الصميعي وكان  ذلك أول قدومي في منطقة خيطان.


السمك

كان عملي مع عبدالعزيز الزيد في بيع السمك حيث كان له محل في سوق خيطان القديم بجانب محل محمد قطفان وعبدالكريم السيف مقابل معرض شلبي في سوق خيطان القديم وقد مكثت في هذا المحل 27 عاماً.


الشراء

عملي في السمك يبدأ الساعة الخامسة فجراً وينتهي في الساعة التاسعة والنصف صباحاً ومازاد من السمك مصيره الرمي في البراحة فلا يوجد ثلاجات وحافظات للسمك عندنا في ذلك الوقت والبيع يكون بالأوقية وليس بالكيلو كما هو اليوم زبيدي اوقيته بعشر روبيات واوقية السمك عن اوقيتين والهامور اوقيته خمس روبيات وكل انواع السمك كان متوافراً في ذلك الوقت شيم وسبيطي ويباح وينمنم وفسكر، برطام وهو اطعم انواع السمك والذها وبحكم عملي مع عمي عبدالعزيز الزيد كنت معروفا باسم حسين الزيد في سوق السمك حيث اذهب معه في الصباح الباكر الى سوق السمك القديم ونشتري من عملائنا اسماعيل الجزاف وابوعيسى وخالد القبندي وابوعباس وكل السمك كان محلياً ليس يوجد باكستاني ولا إيراني والدلال حين يدلل على السمك لا يمكث طويلاً بل البيع يكون بسرعة ولا يكون فيه تأخير وأكثر شراء الناس من السمك يكون في فصل الشتاء أما سمك سبور فهو ايام رطب البرحي واكثر بيعاً من السمك هو الزبيدي ثم يأتي البالول ثم النقرور ثم باقي انواع السمك والبيع كان في تلك الايام وهي في أواخر الخمسينات ومنتصف الستينات كان مناسباً فالذين يأكلون السمك نسبة قليلة من الناس فهناك فئات كثيرة كانت لا تأكل السمك اما اليوم فقد تعودوا عليه واصبحت وجبة أساسية لهم...

بيع السمك حين شرائه يكون بالكود الكود الواحد يكون به عشرة كيلو زبيدي أما كود النقرور ففيه ثلاث حبات أما الشعوم فكوده وحده اثنا عشر كيلو وعندما كنا نبيع في الأوقية كانت أكثر بركة وفيها فائدة كثيرة وكنا نأتي بالسلة الكبيرة فيها حوالي ثلاثين كيلو في الصباح الباكر من حراج السمك أحملها على سيارة عمي عبدالعزيز الزيد وهي سيارة شفر ذات طراز سنة 1961 والعميل الذي نأخذ منه السمك اليوم تدفعله في اليوم الذي بعده.


السكن

راتبي في بداية عملي كان مئة وخمسين ديناراً ثم زاد حتى وصل الى مئتين وخمسين ديناراً أما السكن فكنت في البداية أسكن عند أخي في سوق الغربللي ثم سكنت عند عمي عبدالعزيز في منزله في خيطان وقد مكثت عنده اثني عشر عاماً.


زلزال

حدث في ايران زلزال واردت ان اذهب لأرى أهلي ماذا حل بهم وفعلاً أخذت خروجية وسافرت الى شيراز والحمد لله وجدت أهلي بخير ولم يصبهم أذى ثم رجعت مرة ثانية الى الكويت عن طريق دبي حيث استخرج لي ابن عمتي جواز سفره واحدة وبه عدت الى الكويت.


المنظر

منظر وحال خيطان يختلف عن تلك الأيام التي كان فيها أول عملي يوم جئتها كل بيت كان يتوسط بناءه بركة ماءً وترى الأغنام تخرج من البيوت الى المرعى، والابقار كان الأهالي يقنونها حتى الحمير كنا نراها في الشوارع ولم يكن في خيطان الا ثلاث مناطق شارع الشمالي وشارع الجنوبي والسوق  وكل البيوت كانت مصفوفة من الكندل... وكل شيء كان محليا ليس هناك استيراد الدهن واللبن واللحم أي الاغنام «الخاروف» والسمك الذي هو عملنا لم نكن نعرف الايراني والباكستاني.


القانون

سنة 1974 جاء قانون الشؤون فلابد أن تكون اقامته على مادة «20» فنقلت اقامتي على محمد عبدالمحسن أبا الخيل من خلال مؤسسة منارة الخليج وجعلت اقامة أولادي وزوجتي التحاقاً فيَّ وايضاً كنت مندوباً في هذه المؤسسة وصاحبها رجل طيب وصديق عمر كان يقول لي لا تقول عمي قل أخي... لقد اعطاني المحل ورخصته من دون مقابل... وتكفل بعلاج ولدي عندما حصل معه حادث سير.


البقالة

لم يقتصر عملي على السمك فقط بل كنت اعمل مع هذه المهنة أعمالا أخرى كنت مندوباً للشركة التي اقامتي عليها كذلك سنة 1972 أسست بقالة في منطقة اليرموك وكان يعمل بها أخي وانا كنت أغلق محل السمك فترة العصر واعمل بها وقد  استمرت حتى منعت البلدية البقالات في السكن الخاص.


السيارة

عندما خرجت من الكويت الى خيطان سنة 1957 كانت دروازة الشامية هي نقطة انطلاقي الى خيطان لكن قيادتي للسيارة بدأت سنة 1969 في احدى شركات للتعليم وعندما حصلت على رخصة القيادة اشتريت وانيت من شركة الملا ثم شفر كابريس ثم مرسيدس.


الشغل

الناس تعودوا على محلي وبيعي السمك وانني انسان ليس عندي غش سنين وهي تتعامل معي وتعرف أخلاقي لهذا عندما جاءت شركات الأسماك خف الشغل والبيع في محل المسمكة كنا من الزحمة نغلق المحل والناس في الخارج أما اليوم فزبائني هم الذين يأتون البعض يأتي بنفسه والبعض الآخر يرسل السائق وأنا أعرف طلبهم فأعطي السائق الطلب وكل ذلك على الثقة التي صار لها سنين عديدة حتى بعض الشباب يأتي ويقول كنت آتي وانا صغير مع والدي او والدتي واليوم انا آتي بنفسي.


الساعة

كثير من الأعمال والحرف تغيرت في الكويت حتى نظام الحراج والبيع لما كنا نبيع والزائد نرميه في البراحة كنا نغلق محلنا الساعة التاسعة والنصف لكن عندما حل عام 1975 اختلف الوضع اخذنا نستمر الى الساعة الثانية بعد الظهر.


الجدار

سنة الجدار التي كانت في أواخر الخمسينات ذهبت وعملت في مدينة الأحمدي في احدى البقالات عاملاً بها لكن عملي لم يستمر أكثر من يومين فتركت العمل ورجعت للكويت فلست متعوداً على المناطق البعيدة عن العاصمة الكويت.


التوقيف

كنت ضامن احد الاشخاص بشيك قيمته 25 الف دينار لكن هذا الشخص لم يسدد وسافر الى ايران فاتصلت بي الشرطة وذهبت وانا لا أعلم وقال لي انت مقبوض عليك وفيه شكوى قلت انا لا أعلم عن حال ذلك الشخص وجعلوني في التوقيف ثم تعهدت أن أدفع ذلك المبلغ أقساطاً ومن سنة 2006 وانا أقسط ذلك المبلغ الذي هرب صاحبه.


العملاء

لم يكن في الكويت أجانب كثيرون تجد الفلسطيني واليمني والايراني والمهارة أما زبائني الذين اذكرهم عبدالله هشام ومحمد المزين وناصر الجيعان وناصر العصيمي وأخوه مناحي وعيال أبوحديد وعيال الجبري وشافي الخشاب وسعد الخشاب وعيال الطاحوس وكلهم كويتيون معروفون.


الزواج

تزوجت من امرأة من بلاد الأهواز ثم لم يحصل نصيب فطلقتها فقال لي عمي عبدالعزيز الزيد تزوج من بلدك فذهبت وتزوجت من بلدي وعمي عبدالعزيز الزيد هو الذي تكفل بالمهر ومصاريف الزواج واسكنني عنده في بيته في اليرموك في الدور الثاني كان المهر 500 دينار مقدم و500 دينار مؤخر وجاءتني اولى بناتي فاسميتها فاطمة ثم مريم ثم زينب ثم بدرية على بنت عمي عبدالعزيز ثم جاءتني بنت فأسميتها نورة على والدة محمد أبا الخيل ثم جاءني ولد اسميه علي وبعده بنتان نادية وهدى وجميع اولادي مواليد الكويت.

لقد علمت بوفاة عمي عبدالعزيز الزيد عندما اتصلت على بيته وأخبروني وبكيت كثيراً عليه فهو مثل والدي وكان معي في غاية الطيبة والمعاملة.


العجيري

ادركت والد الدكتور صالح العجيري محمد كان رجلاً طيباً يشتري مني ويدفع لي زيادة على قيمتها، اذا رأى حادثا والناس متشادون يصلح بينهم وهو يتكفل باصلاح السيارات كان يحمل معه الناس بسيارته أيام الحر ويساعد ويعطي الاطفال الهدايا.


الربيع

كنت أقضي وقت الربيع في المخيمات حيث اخرج الى بر الصليبية مع عيال الريش خليفة وابراهيم ومنديل وهم أقارب عبدالعزيز الزيد.