د. لطيفة جاسم التمار / مشهد / يوميات نائب في الأرياف

1 يناير 1970 06:40 م
| د. لطيفة جاسم التمار |

صورة الحكيم حاضرة في «يوميات نائب في الأرياف» وهي الوظيفة التي تقلدها في حدود بيئة زمانية ومكانية في محافظتي الغربية وكفر الشيخ، اذاً هنا صورة شفافة صادقة لكاتب العمل تبرز من خلالها أراؤه ولغته وأحلامه وتطلعاته في هذا العمل، مما يشي لنا عن فكر مستقيم يلامس الواقعية. صورة الفلاح والريف المصري كان الشغل الشاغل للمؤلف، كذلك المصرية ومكونات المجتمع المصري وأصالته، ومدى المعاناة التي كان يعاني منها الفلاح المصري البسيط في مقابل نوع من الظلم والظيم يلقى عليه من قبل الاقطاعيين و كان كل هم الكاتب عرض ما يتعرض له الفلاح من مظالم لكي يكشف عيوب البيئة ويصل به الى حد الانصاف والمساواة في بيئة ما عرفت يوماً الانصاف. دأب الكاتب على اظهار سلبيات مجتمعه وتسلط القوانين الصارمة على مصلحة الفلاح الضعيف وما يعتريه من فقر وحرمان، فأهل الريف ينظرون للقوانين الصارمة بحقهم وكانما سلطة تريد القصاص منهم، وهذا ان دل على شيء فانه يدل على سطحية فهمهم وقلة ثقافتهم وجهلهم بالقانون، لكن الكاتب له نظرة خاصة وهي رغم شرعية القانون الا انه ظالم يقتص من الفلاح المصري البسيط ويتعارض مع مصلحته كانسان، حاول المؤلف اظهار صورة مأساوية كشرعية القانون وموقف الالتزام منه كسلطة شرعية في البلد، هذه المشكلة هي أساس الحدث في اليوميات فالتصادم مع القانون وعجز أهل الريف من تفهم هذه القوانين التي تضر بمصالحهم كبشر أحرار مما يجعل المشكلة مستمرة حتى يومنا هذا في الأرياف والأقاليم،هنا دعوة متخفرة من قبل المؤلف لمحاولة توافق القوانين مع حياة الفلاح المصري البسيط حتى يستطيع التعايش معها بسلام. وهذا مثال لأحد الفلاحين الذين اقتادوه للقاضي لانه غسل ملابسه في (الترعة) يقول المتهم: «وأغسلها فين؛ فتردد القاضي وتفكر ولم يستطع جوابا، ذلك انه يعرف ان هؤلاء المساكين لا يملكون في تلك القرى أحواضا يصب فيها الماء المقطر الصافي من الانابيب، فهم من تركوا طول حياتهم يعيشون كالسائبة»، ومع ذلك يطلب اليهم ان يخضعوا الى قانون قد استورد من الخارج على أحدث طراز والتفت القاضي وقال: «النيابة ليس من شانها ان تبحث أين يغسل هذا الرجل ملابسه، لكن ما يعنينا هو تطبيق القانون». اذن رجل القانون متفهم رغبات البشر لكنه في المقابل لا يستطيع اعفاءهم من الجزاء، من هنا كانت حبكة اليوميات جيدة جمعت كل الأحداث حولها، واستطاع الكاتب في لغة هي أقرب الى المحلية ان يوصل ما يريد في عمل خفيف لكنه معبر.



* دكتوراه في الأدب العربي الحديث



[email protected]