حسين الراوي / أبعاد السطور / عذرا... نوير

1 يناير 1970 11:13 ص

إلى نوير، تلك الطفلة البريئة التي قبلتها على خدها وهي في غرفة العناية المركزة ممددة متأرجحة بين الحياة والموت، إلى نوير التي كانت تلعب بكل وداعة وقلب مُشرع للأحلام فأهداها احدهم رصاصة استقرت في منتصف رأسها!

عذرا نوير... بعضنا لا تهمه الطفولة ولا يلتفت لها، ولا يحسب لجيلها اي حساب انساني!

عذرا نوير بعضنا في الاعراس لا يفكر إلا كيف يستعرض رجولته وفحولته عبر طلقات نارية يرسلها نحو السماء لتسقط على رؤوس الابرياء مثلك!

عذرا نوير... بعضنا يعتقد انه كلما تعالى صوت «الكلاشنيكوف» وتطايرت منه مئات الاعيرة النارية الطائشة القاتلة، كان العرس مباركا سعيدا تتحدث عن فخامته الركبان!

عذرا نوير... ان جهلنا وعقلياتنا وسذاجتنا والفوضوية التي تسكننا تأبى إلا ان نغتال وجهك الابيض وقلبك الابيض وايامك البيض وروحك البيضاء!

عذرا نوير... فأنت الآن بين الحياة والموت تتأرجحين، أنت الآن في الألم، في اللاوعي، في الضياع، في الحيرة، في آلاف التكهنات، وصاحب تلك الطلقة التي استقرت في جمجمتك كان يأكل ويشرب ويتكلم ويضحك ويزور فلانا وفلانا ويقود سيارته وينام بكل دم بارد وصفاقة وجه!

عذرا نوير... ان سألت عنك زميلاتك اللاتي سيفتقدنك في الحارة وفي المدرسة، عندما لا يبقى لهن عندنا اجابة سوى غصة مؤلمة بالحلق ودمعة حارقة في العين!

عذرا نوير... لوالدتك التي كانت تمشط شعرك وهي تغني لك اجمل اغاني البادية، وهي تقول في نفسها، غدا ستلبسين ثوب الزفاف الابيض وتكونين اجمل عروس رأتها عيناي!

عذرا نوير... لوالدك ابو راشد الذي طالما قبل وجنتيك واحتضنك بدفء الابوة، وكساك رحمة وحبا، وأتى لك بفستان وألعاب وحذاء العيد!

عذرا نوير... لكل اقاربك الذين كانوا يستمتعون بشقاوتك البريئة، عذرا لهم ان لم يعودوا يستمتعون برنات ضحكاتك التي كانت اجمل من العصافير، والفراشات في السهول الخضراء!

عذرا نوير... لطفولتك، عذرا لبراءتك، عذرا لبياضك، عذرا لصديقاتك، عذرا لالعابك، عذرا لدفاترك، عذرا لاحلامك، عذرا لسريرك، عذرا لأهلك واحبابك!

عذرا نوير... فأنا لا املك اي شيء اقدمه لك سوى سطوري هذه والدعاء لك، وتلك القبلة التي وضعتها على خدك.


حسين الراوي


[email protected]