ذكرها كثير من الرحالة والمؤرخين وظهرت في الخرائط الأوروبية سنة 1818

الشعيبة ... قرية توارت وذكريات بقيت

1 يناير 1970 06:07 م
نعرض اليوم بعض لمحات وجوانب لقرية الشعيبة من خلال كتاب الباحث سلطان الباهلي، فذكر جزءا من تاريخها وحركة التعليم بها وبعض نشاطات **من سكن بها ثم نتطرق إلى نادي الساحل الذي كان بها والبعض المنتشآت التي اقيمت بها!

إن قرية الشعيبة هي من اقدم قرى المنطقة الجنوبية من ساحل الكويت في العصر الحديث، وهي تقع ضمن منطقة بر العدان المشهورة منذ العصر الجاهلي قبل لاسلام، والآهلة بالسكان، والمعروف ان كلمة الشعيبة مؤنث «شعيب» والشعيب هو مجرى المطر ويتجه إلى النقطة الأسفل والموطئ المنخفض، وهو شعيب كبير تقع قرية الشعيبة عند مفيضه إلى البحر والمعروف ان بالقرب من الشعيبة حاجزا ترابيا على امتداد بحر العدان في الخليج العربي يجمع الماء العذب عن الساحل فيشربه ترابها ويختزن في جوفها، ومن ثم تحفر الآبار ليستفاد منه، وهذا موجود عموما بالقرى الساحلية.

وتقع الشعيبة غربي خط الطول 48.8 شمالي خط العرض 20.2، وهي من اقدم القرى التي كانت تسمى القصور، والتي تشمل قرى ابو حليفة والفحيحيل والمنقف والفنطاس والفنيطيس، بالاضافة إلى الشعيبة.

والشعيبة واقعة على ضفتي بحرة، والبحرة هي الشعبة من مسايل الماء تنحدر سيولها من ظهر العدان، وتذهب مشرقة حتى تفيض في البحر.

ولقد مرت الشعيبة تاريخيا بعدة عصور منذ العصر الجاهلي، حيث كان يسكنها احدى اكبر القبائل العربية العريقة وهي قبيلة بنو تميم والتي كانت تسكن بمنطقة العدان حتى عصر الاسلام وانتشار القبائل العربية بجميع انحاء الجزيرة العربية.



الخريطة

ولقد ظهر اسم الشعيبة لاول مرة بالخرائط الاوروبية عام 1818م حينما نشرها الألماني كارل رايتر بكتابه «علم الارض وعلاقته بالطبيعة وتاريخ الانسان».

ولقد ورد اسمها في كثير من المؤلفات العربية والانكليزية، يذكر بها موقعها ومساحتها وسكانها ومنازلها وحرف السكان ابرزها الانكليزي «لوريمر» بكتابه «دليل الخليج» في القسم الجغرافي، والذي نشره سنة 1909م، ذكر فيه ان الشعيبة قرية ساحلية صغيرة بمنطقة العدان في إمارة الكويت، تقع على بعد نحو 24 ميلا جنوب الجنوب الشرقي لمدينة الكويت، وتتكون من خمسة عشر منزلا تقع داخل حصن مخرب، وسكانها عبارة عن عشرين اسرة من قبائل عربية مختلفة وبها عشرة آبار عذبة المياه، ولدى الأهالي مئة وخمسون شجرة نخيل، وأشجار اخرى، ويزرعون القليل من الشعير والخضراوات ولديهم ثلاثة او اربعة قوارب لصيد اللؤلؤ، والقرية عبارة عن منتجع ريفي لسكان مدينة الكويت.



القرية

قال شاعر الشعيبة عبدالله بن غصاب والذي اصبح اميرا على قرية الشعيبة بعد وفاة والده اميرها محمد بن غصاب:

عسى الحيا للشعيبة ينبت الريضان

لعل الغنم ما تنتهي في مفاليها

ولقد ظلت قرية الشعيبة على حالها لم يزد عدد سكانها، والبيوت الا قليلا، وهذا ما ذكره الشيخ محمد خليفة النبهاني بكتابه «التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية»، الصادر سنة 1949، ولقد زار الكويت كثيرا، وتحدث عن قرية الشعيبة في زيارته الاخيرة عام 1947، فذكر ان عدد سكانها مئة شخص وعدد بيوتها ثلاثون بيتا.



العذراء

لقد كانت قرية الشعيبة كما ذكرها الشيخ أحمد الشرباصي، الذي انتدب مدرسا من قبل الازهر الشريف في مصر للعمل مدرسا بدائرة المعارف الكويتية عندما زارها في رحلة مدرسية في شهر يناير عام 1953 بأنها القرية العذراء التي تشعرك بالروح العذرية في كثير من امورها، في خصب تربتها، وبكارتها، وفي طباع اهليها، وخصالهم، وفي صمتها، وعزلتها، وفي حيائها، وانزوائها إذا... تغنى بعشقها حتى الشيخ الشرباصي القادم من بلاد نهر النيل، فلا عجب في ذلك ان يكتب الشاعر محمود شوقي الايوبي الاستاذ في مدرسة الشعيبة قصيدة جميلة عن قرية الشعيبة اسماها «القرية العذراء» تغنى بها وذكر سكونها، وآبارها وبحرها، واشجارها، وبرها واحلامها العذرية، وصفاءها كأنه وجه يشع ويبسم.

إن الشعيبة قرية

فيها السكون مخيم

الماء من آبارها

عذب لروحي بلسم

والبحر في شرقيها

الموج فيه يدمدم

والسدر في غربيها

مثل البشير يترجم

برية بحرية

نسماتها تترخم

أحلامها عذرية

وطيوفها تستلهم

الشعر فطري الهوى

والروح فيها تحلم

فيها الصفاء كأنه

وجه يشع ويبسم



المياه

ساعدت الشعيبة في توفير المياه، ووجود بحرة الشعيبة وهذا الذي جعل بها ابار كثيرة، ومياه متوافرة فقد ذكر صاحب كتاب دليل الخليج الصادر سنة 1909 بأن بها عشر آبار عذبة على عمق 16 قدم واشهر هذه المراوي هو «سليسل» وجليب العويجاء إلى جانب قلبان كثيرة وقد انشئت مضخة مياه في الشعيبة وبدت تناكر تظهر لبيع الماء.



المساجد

المسجد الأول في الشعيبة هو المسجد الشرقي، وهو اقدم مسجد فيها، وبعد انتشار العمران وتوسعته، تم بناء مسجد قرية الشعيبة من جهة القبلة من قبل دائرة الاوقاف سنة 1995، واصبح جاهزا من 1956 وهو مسجد انس بن مالك، اما اول مسجد لها فهو المسجد الشرقي او مسجد السوق وهو أقدم مسجد في الشعيبة وقد هدمته دائرة الاوقاوف واعادت بناءه سنة 1950.



البيوت

بيوت الشعيبة كان اغلب بنيانها من صخور البحر وكان هناك اساتذة بناء مختصون في بناء البيوت والبيوت كانت صغيرة وكبيرة وهناك ساحات بينها عبارة عن سكك والاسقف كانت من الكندل والباسجيل والبواري والأطوف عرضها نحو نصف متر وهناك احواش داخل البيوت وقلبان ماء وبداية البناء الحديث دخل القرية حينما تم هدم مسجد الشعيبة الذي في السوق سنة 1950 وتكلف دائرة الاوقاف به، اما الكهرباء فقد بدأت في الشعيبة عن طريق شركة النفط وذلك في ميناء الاحمدي اما في القرية فكان في مدرسة الشعيبة سنة 1952م، وتم ايصال التيار الكهربائي للبيوت سنة 1962 حيث افتتح بها مكتب كهرباء الشعيبة ومهمته توصيل خدمة الكهرباء للبيوت وتحصيل المبالغ والرسوم وكذلك قطع الخدمة على من لا يسدد.



السوق

كان في القرية سوق عبارة عن دكاكين قام ببنائه الشيخ صباح الناصر مبنى واحد ومن دور واحد وعدد الدكاكين لا تتجاوز ثلاثين دكانا، اما اول «دكان» فكان سنة 1941 وكان لاسرة الياقوت ثم توسع سوق الشعيبة وصار هناك بقالات ومطاعم ومحالات تجارية وجاء البنك التجاري سنة 1966 وافتتح له فرع بها.



التعليم

لقد كانت من اولويات مجلس المعارف حينما اسس هو نشر التعليم وبناء المدارس في جميع مناطق الكويت والشعيبة كان لها نصيب في التطور الذي واكب التعليم في الكويت وقد كانت من قبل تعتمد على التعليم التقليدي المتوارث الذي كان عبارة عن كتاتيب وقد عرف في قرية الشعيبة هذا النمط من التعليم حيث كان الملا عصفور احمد العصفور وقد درّس في مسجد الشعيبة ثم جاء الملا محمد البغدادي الذي درس في منزله وفي مسجد القرية اما اخر الكتاتيب فهو الملا عبدالله عمران العصفور، ثم باشرت مدرسة الشعيبة عملها سنة 1950 وعينت لها المعارف طاقم تدريس من عمال مستخدمين من اهل القرية، وافتتحت رسميا سنة 1951 اما تعليم البنات فقد جاء متأخرا حيث كان يقتصر على تدريس المتطوع ثم افتتحت اول مدرسة نظامية لهن سنة 1955.



البحر

الشعيبة لها ارتباط وثيق في البحر لانها جزء من الكويت ولها خصوصية كونها تطل على البحر لذا مارس أهلها الغوص وصيد الاسماك وكان بها نفقة بحرية ومسَكّر.



الزراعة

الزراعة في الكويت قصة كفاح شاقة، ومتعبة لا يعرفها الا من عاشها، وعاصر ابعادها الصعبة، فالكويت تقع جغرافيا في المنطقة المعتدلة الشمالية داخل اقليم صحراوي يتميز بمناخ شديد الحرارة صيفا يميل للبرودة شتاء إلى الصفر المئوي، او دون ذلك بقليل كما ان معدل كمية ما يهطل من امطار سنوية يتراوح ما بين 50 - 100 ملم.



التوسع

ومحاولات التوسع في الزراعة في الكويت تصور الصراع القائم بين الانسان والطبيعة القاسية التي تتمثل في ندرة مياه الري، وقسوة الظروف المناخية، وارتفاع نسبة الرمل في تربة الكويت، وكانت الزراعة قبل عام 1953 تمارس في مزارع صغيرة المساحة في القرى الساحلية مثل الشعيبة، والفحيحيل، والمنقف، وابو حليفة، والفنطاس، وفيلكا، والجهراء، حيث تحاط جوانبها بنبات العرفج لحمايتها من عبث الرياح، اما مصدر المياه فكانت الابار (القلبان) بالنسبة للمزارع الصغيرة، اما المزارع الكبيرة فيتم حفر ابار عميقة فيها يجري نقل الماء منها بالقرب بعد رفعه بواسطة الحيوانات.

وكانت المزارع في قرية الشعيبة شأنها شأن المزارع في القرى الكويتية الاخرى تعتمد على الاسمدة العضوية، والحيوانية، وتستخدم الادوات الزراعية القديمة، والبدائية كالمجرفة (السخين)، والشبل، والكزمة، والمشط، ولقد بدأت منذ استقرار الاسر بالشعيبة، وكانت الزراعة الحرفة الرئيسية قديما لسكان الشعيبة.



المحاصيل

وتعتبر اهم الحاصلات الزراعية بقرية الشعيبة ومزارعها التي تنتجها هي الطماطم، والباذنجان، والبطيخ، والرقي، والخيار، والقرع، والخس، والفلفل، والشبنت، والفجل والبصل، والبرسيم، والرشاد، واخرى كانت تباع في سوق الكويت، وكانت وسيلة المواصلات لنقلها عبر الحيوانات الجمال، والحمير، في البر، وعبر السفن الصغيرة، والكبيرة في البحر، وكانت تباع باسعار زهيدة، ولعل اسوأ ما تمر به المزارع الاحوال المناخية، والآفات الزراعية، والحشرات، وخصوصا غزوات افواج الجراد التي تجتاح الشعيبة وقرى الكويت الاخرى آتية من الصحراء مثلما ما حدث سنة الدبا، حيث غزا صغار الجراد الكويت ما بين الفترة من 1-24 مايو سنة 1890م، وأصاب المزارع، وأتلفها، وملأ الآبار، ويغتنم بعض الناس فرصة هطول الامطار في الشتاء، فيبذرون القمح والشعير، ويحصدونه في نهاية الربيع، معتمدين في ريها على مياه الامطار فحسب، وغالبا ما تأتي بغلَّة حسنة الا ان هذه المساحات التي تزرع بهذه الوسيلة محدودة جدا، وكذلك تزرع بعض اشجار النخيل التي تنتج بلحا متوسط الجودة.



السدر

شجرة السدر كنارا، عن شجرة السدر «كانت توجد سدرة كبيرة بمنزل صقر حمود صقر الجمعان عمرها تقريبا اكثر من 200 عام، وكانت قرب بئر «سليسل» تقيظ بظلالها الاغنام، وبسبب السيول والامطار تجدالكنار عندما ينضج من كبر حجمه يسمونها «ام التفاح» لكبر حجمه، وقربه من حجم التفاح الايراني، وكانت اسر الكويت التي كانت تحضر للشعيبة أيام الربيع للكشتة، والتنزه، كانت تشتري الكنار لجودته في قرية الشعيبة.



النفط

ولكن هذه القرية الصغيرة حدث لها تحول كبير بعد ظهور النفط، وتصدير اول شحنة نفط في شهر يونيو 1946 بميناء الاحمدي المحاذي لقرية الشعيبة، وبحضور امير الكويت المغفور له باذن الله الشيخ أحمد الجابر الصباح، ولقد جعلها مصدر جذب لنزوح الكثير من الاسر الكويتية، وبادية الكويت، والوافدين الاجانب، وذلك للسكن فيها، والعمل بقطاع البترول، والدوائر الحكومية الاخرى، ولهذا سارع بانشاء سوق ومدارس للبنين والبنات، ومستوصف صحي، ومخفر للشرطة وناد ثقافي رياضي، ومكاتب للبريد والكهرباء، وسنترال للهواتف، ومصرف (بنك) وخدمات اخرى.

ولكن كان ظهور النفط وانشاء الموانئ بجانبي القرية، وانشاء مدينة الشعيبة الصناعية وبالا على اهلها، وذلك بانتشار رذاذ حامض الكبريتيك في اجواء قرية الشعيبة عام 1966 ما أدى إلى تعرض بعض أهاليها للاختناق، وبسب وقوع القرية بين الشركات النفطية، والمصانع ما ادى إلى تلوث اجواء الشعيبة دائما، وهذا عجل ايضا بصدور قرار بازالة قرية الشعيبة السكنية، وضم اراضيها إلى مدينة الشعيبة الصناعية، وذلك بعد تثمين منازل السكان، واراضيهم، ومزارعهم، ودكاكينهم، ولقد بدأ اهالي الشعيبة بالنزوح منها بدءا من عام 1967، وبشكل تدريجي، والسكن بمناطق اخرى، وبدأت وتيرة نزوحهم بكثرة من عام 1970 حتى عام 1974، بدأت بعدها معاول هدم قرية الشعيبة تعمل بإزالة البيوت، ومع نهاية عام 1977 تم ازالة قرية الشعيبة بأكملها، ولم يتبق منها سوى الذكريات.



الصناعية

شيدت على ارضها مدينة صناعية كبرى، وعلى انقاض تلك القرية السكنية بعد ضمها إلى مدينة الشعيبة الصناعية، واصبحت جزءا من الماضي، وتوزع اهلها بمناطق دولة الكويت المختلفة، ولكنهم مازالوا يحنون إلى قريتهم القديمة والذكريات الجميلة التي قضوها فيها من طفولتهم حتى تقدمهم في السن.

والذكريات التي سمعوها من اهلهم ولكنهم يتوقون لمعرفة كل شيء عن قريتهم القديمة قرية آبائهم واجدادهم.



الرياضي

انشئ نادي الشعيبة الرياضي سنة 1955 وتم استئجار أول مقر للنادي في بيت قريب من السوق وكان اعضاء النادي يجتمعون في هذا المقر يمارسون الالعاب الشعبية مثل الدامة والدومينو، وهناك فرق رياضية تم انشاؤها وقد تم انشاء العاب رياضية مثل كرة القدم والطائرة والسلة والملاكمة، ورفع اثقال وتنس طاولة، وكان نشاط لكرة القدم يزاول في الساحة الخارجية جنوب القرية أما كرة السلة والطائرة فكانوا يزاولونهما في مدرسة الشعيبة اما الملاكمة فكانت تمارس في البيت المؤجر للنادي وبعد اغلاق الاندية الرياضية سنة 1959 ظهر في القرية فريقان رياضيان من شباب القرية اطلقها عليها البحري والساحل وكانت هناك منافسة بينهما حينما يتقابلان واتحد فريق الساحل والبحري تحت اسم واحد هو «فريق قرية الشعيبة»، ثم اسس نادي الساحل الثقافي بمنطقة الشعيبة سنة 1966 وبعد تأسيسه اخذت عجلة نشاط النادي تدور، واصبح له مشاركات رياضية واجتماعية وكان مقره في بيت شمال الشعيبة ثم انتقل إلى وسط السوق حيث استؤجر له بيتان، ثم انتقل إلى مقر آخر ثم أيضا إلى مقر اخر كان البيت الذي كان فيه مستوصف الشعيبة وظل في هذا المقر حتى تحول إلى نادي رياضي سنة 1972 وانتقل إلى المنقف سنة 1974.



البريد

افتتح مكتب البريد في قرية الشعيبة سنة 1964 وتم استئجار اربع دكاكين له في القرية اما الخدمة الهاتفية فقد دخلت عندما اتسعت رقعة القرية واصبح بها منشآت حكومية وبدأ سنترال الشعيبة لمد خطوط، يعمل سنة 1959، وكان بنظام المانول الانكليزي اليدوي وكانت سعة السنترال حين العمل به لا تتجاوز 500 خط هاتف، والذي داخل الخدمة 200 خط هاتف وتديره شركة انكليزية اغلب عمالها من الهنود ومقر السنترال احد البيوت العربية القريبة وأرقام خط الهاتف تتكون من ثلاثة ارقام.