صراع دمشق - الرياض «خلفية خفية» لاشتعال طرابلس رداً على رسالة خادم الحرمين الى سليمان

«خط تماس» جبل محسن - باب التبانة على «خط النار» السوري

1 يناير 1970 01:28 ص
| بيروت ـ «الراي» |

على غرار عشرات التجارب السابقة التي باتت مألوفة لدى اللبنانيين عموماَ والشمال وطرابلس خصوصاً، بدا مشهد عاصمة الشمال امس، مطابقاً تماماً للحصيلة الدامية «القياسية» التي تركتها جولة العنف والاشتباكات الاخيرة التي انفجرت السبت حاصدة ما لا يقل عن 13 قتيلاً و50 جريحاً.

فمنذ صباح امس، وعلى وقع تقاطُع كل القراءات عند ربط معاودة إشعال الجبهة السنية ـ العلوية اي باب التبانة ـ جبل محسن بتطورات الوضع السوري والرغبة في توظيف «خط التماس» المذهبي في لعبة الضغط «بالنار» في اتجاهات عدة لبنانياً وعربياً واقليمياً، اعاد الجيش اللبناني انتشاره على «الحدود» الفاصلة بين منطقتي «القتال» تبعاً للخطة التي جرى وضعها ليل السبت في سرايا المدينة عقب اجتماع ترأسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في منزله في المدينة وضم وزراء طرابلس ونوابها والقادة العسكريين والامنيين ووزير الداخلية مروان شربل.

وفي حين استوقف الدوائر المراقبة اعتبار وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل امس، ان ما حدث في طرابلس «يشكل امتداداً لما يجري في سورية»، لافتاً الى أن النظام السوري «يحاول تحويل الصراع إلى صراع طائفي وهو بذلك لا يهدد فقط طرابلس ولبنان بل سورية نفسها»، فان الخطة الامنية التي بدأ تنفيذها فجراً في عاصمة الشمال لم تبدُ مختلفة عن سابقاتها، وآخرها خلال الجولة اللاهبة في 12 مايو الماضي، لجهة استباق الانتشار العسكري والامني بما يسمى غالبا «قراراً سياسياً» لسحب الغطاء عن المسلحين. كما لم تختلف عن بُعد آخر لعله الاخطر وهو ان لا الدولة ولا القيادات السياسية في المدينة تُظهر القدرة الكافية والحاسمة على احتواء الموقف المتدهور و«الموْنة» على المجموعات المسلحة المتناحرة في الطرفين، وغالبا ما يحصل التدخل الامني والعسكري لادارة هدنة اثر هدنة سرعان ما يعود الوضع بعدها الى التفجر.

وأبدت جهات معنيّة بوضع طرابلس لـ «الراي» تشاؤماً واضحاً حيال المعطيات التي تحدق بالاهتراء الآخذ في التصاعد سواء على المستوى الامني او السياسي في المدينة، معربة عن مخاوف من ان يكون إشعال طرابلس في اطار محاولة لفرض «منطق أمني» في التعاطي مع منطقة الشمال عموماً ولا سيما عكار التي تشكّل مع طرابلس «بؤرة إزعاج» للنظام السوري الذي يخشى تحوّلها منطقة عازلة بحكم الامر الواقع، علماً ان أحداث عكار قبل نحو اسبوعين كانت ظهّرت محاولات من قوى سياسية لإحكام القبضة العسكرية على هذه المنطقة من خلال الجيش الذي «نأى بنفسه»عن مثل هذه الخطوة «المكلفة» على وحدته.

كما لم تُسقط من حسباها ان يكون ما حصل في عاصمة الشمال «رسالة نارية» الى السعودية وذلك بعد نحو اسبوعين على «الرسالة النادرة» التي وجّهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان معبّراً عن «بالغ القلق ازاء تطورات أحداث طرابلس» وواضعاً اياها في سياق «استهداف أحد الطوائف الرئيسية التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبناني» اي الطائفة السنية.

ولفتت هذه الجهات الى ان ابلغ دلالة على استشراء الاهتراء في طرابلس يتمثل في الحصيلة التي أثارت صدمة واسعة للجولة الاخيرة اذ سقط فيها في 24 ساعة فقط 13 قتيلاً ونحو 50 جريحاً، ما يعني ان فريقيْ النزاع باتا يستخدمان مزيداً من الاسلحة في جولات القتال المتعاقبة، كما ان الجولة الاخيرة شهدت تطوراً لم يحصل في الجولة التي سبقتها قبل نحو ثلاثة اسابيع، مع تجاوز التراشق الصاروخي وقذائف الهاون منطقتي الاشتباكات الى مناطق بعيدة في قلب طرابلس.

وتقول هذه الجهات ان هذا المؤشر اثبت ان المجموعات المسلحة في حبل محسن التي تملك اسلحة ثقيلة بدأت تنفيذ خطة جديدة تسعى عبرها الى الضغط على المناطق المحيطة بباب التبانة والتي تشكل «زنار الحماية» والخلفية لها، ما ينذر في حال تجدد القتال بتوسيع دائرة التوتر وإثارة المزيد من التعقيدات والاخطار التي لن تبقى محصورة في طرابلس.

في المقابل، فان المجموعات المسلحة في باب التبانة بدت بدورها صاحبة القرار الميداني الفعلي في منطقتها وسط اتساع اعداد المسلحين كماً ونوعاً. وحسب الجهات المعنية نفسها، فان الاجتماع الذي عقد مساء السبت في منزل ميقاتي بدا كأنه يسابق صراعاً لم يعد لدى ايّ من المشاركين في الاجتماع القدرة على احتوائه او التحكم به. واذا كانت غالبية المعطيات الجدية تشير الى ان الجهات الموالية للنظام السوري تضطلع بالدور الأقوى والأبرز في افتعال الصدامات، فان ذلك لا يقلل ايضا خطورة الوضع الغامض للمجموعات المسلحة المناهضة للنظام، خصوصاً ان الصراع الذي يكتسب طابعاً مذهبياً نافراً بات يخاض علناً على قاعدة تمدد الازمة السورية الى طرابلس.

وأوضحت هذه الجهات انه وسط هذه اللوحة القاتمة، ليست هناك اي معطيات تبعث على توقع نجاح الخطة الامنية الجديدة لوقت طويل، وان الوضع في المدينة سيبقى مفتوحاً على احتمالات التدهور في اي لحظة وخصوصاً ان المعالجات لا تعدو كونها مهدئات ظرفية تواكب حاجة فريقيْ النزاع الى هدنات بعد كل جولات القتال.

وتبعاً لذلك، ستجري في الايام القليلة المقبلة محاولات حكومية حثيثة للافادة من الهدنة الهشة الجديدة ومحاولة تطويل أمدها ما أمكن، من خلال خطوات جرى تداولها في الاجتماع المسائي في دارة ميقاتي. وتتناول هذه الخطوات تكثيف القوى العسكرية والامنية ما أمكن وإظهار قدر اكبر من الحزم في التعامل مع المسلحين، على ان تجري في موازاة ذلك محاولات سياسية كثيفة للتحاور مع فريقيْ النزاع والجهات الدينية والسياسية التي تدعم كلاً منهما. وقد جرى الحديث عن «مشروع مصالحة» أعاد التذكير بمصالحة حصلت في سبتمبر 2008 ورعاها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وجرى خلالها توقيع وثيقة وتعهدات ذهبت جميعها هباء مع تجدد جولات القتال على خلفية الازمة السورية. كما ان ميقاتي تعهد إقرار خطة تنموية للمناطق المنكوبة في المدينة ستعرض على مجلس الوزراء بعد غد.

وكانت عاصمة الشمال استفاقت فجر امس، على اشتباكات عنيفة على مختلف المحاور ولاسيما في الملولة، البقار، شارع سورية، المنكوبين، الريفا، حارة السيدة، الحارة البرانية، الشعراني، واستمرت حتى السابعة والنصف صباحاً حين بدأ الجيش ينفذ انتشاراً في شارع سورية الفاصل بين باب التبانة وجبل محسن في محاولة لتكريس الهدنة التي ارسيت ركائزها سياسياً والتي تعرّضت نهاراً لعدد من الخروق بالقنص ادت الى اصابة اربعة بينهم طفلة، علماً ان وتيرة المواجهات ليل السبت - الاحد كانت سجّلت إدخال 12 جريحاً خلال نصف ساعة فقط الى المستشفى الخيري الاسلامي، وسط رصد انفجارات بمعدل انفجار كل 4 دقائق.

وفي حين سُجل، امس وفاة الطفل مازن مصطفى مصطفى متأثراُ بجروح كان اصيب بها السبت في محلة ابي سمراء، عرف من ضحايا المواجهات: بلال جرو، خالد الرفاعي، أحمد محمد يحيى، محمود بحري، فاطمة الشيخ، محمد صبح، وسيم كنجو، محمد جراب، علي الاشقر وحيدر بن بشمة.

في موازاة ذلك، ينتظر في حال تثبيت الهدنة في طرابلس الانتقال الى المرحلة الثانية من الخطة الامنية التي تم التفاهم عليها خلال الاجتماع في دارة ميقاتي والتي تقوم على ازالة كل المظاهر المسلحة من كل الشوارع والاحياء، وخصوصاً في مناطق القبة وجبل محسن والتبانة ومنع الظهور المسلح.

في هذه الأثناء، نقلت «الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية» عن الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري نصري خوري أنه سلم امس، مكتب التنسيق العسكري التابع للجيش اللبناني، المخطوفين اللبنانيين محمد ياسين المرعبي ومهدي حمدان، على نقطة المصنع على الحدود الشرقية مع سورية.

في المواقف، أعلن نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق «ان الذين يترددون في قبول المشاركة بالحوار الوطني وينتظرون قرارات من السفارات الأجنبية، يدينون أنفسهم، وهم الذين استبدلوا شعار لبنان أولا وأضحى شعارهم سورية أولا، وبذلك وضعوا لبنان على مسار المخاطر الكبرى». وأشار قاووق إلى «أن لبنان اليوم أصبح منصة للمسلحين السوريين، وممراً أو مقراً لهم، وبذلك أضحى في آتون النار المشتعلة في سورية، وهذا يستدعي حواراً وطنياً لقطع الطريق على الفتنة»، مشددا على «أن قوى 14 آذار تتعمد زج لبنان وتوريطه بالأزمة السورية، وتستخدم سلاحاً أخطر من السلاح العسكري وهو سلاح التحريض المذهبي، وتصر على اشعال فتيل الفتنة الذي نريد نزعه».