قصص حزينة... أبطالها أبناء عاقّون وآباء معاقون: مريم طردها ولدها ليتزوج في شقتها... وصفية ضحية زوجة ابنها

1 يناير 1970 07:33 ص
| القاهرة - من هبة خالد |

قالها الله تعالى، صريحة وواضحة وضوح الشمس في يوم صيفي متوهج، لا تقبل التباسا أو تأويلا، «وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا»، قارنا - جل في علاه - بين الاقرار بوحدانيته، وطاعة الوالدين، والاحسان اليهما والبر بهما، ليس في حياتهما فقط. بل بعد موتهما.

عن عقوق الوالدين، نتحدث، حديثا لا يخلو من رثاء، بل بكاء على اندثار طاعة ربانية، وفضيلة ايمانية من ثقافة قطاعات كبيرة من المسلمين، من النخبة والعامة بل أحيانا، يكون أهل النخبة أكثر تغوّلا في العقوق والعصيان، بالرغم من بحبوحة العيش، وعدم ضيق ذات اليد التي قد يعاني منها سواهم.

ويضرب المرء «كفا بكف» عندما يصادف عجوزا، ألقاها أولادها في الشارع، بعدما أفنت عمرها في تربيتهم، أو طاعنا في السن، حمله ذووه الى أبعد دار مسنين، ليتخلصوا من عبئه، بعدما ظل عقودا يكدح لتوفير مأكلهم وملبسهم ومشربهم، ونفقات تعليمهم.

وفي دور المسنين والشوارع نصادف حكايات باكية وقصصا حزينة، أبطالها أولاد عاقّون وآباء معاقون «من العقوق، وليس الاعاقة»، تمر الأيام عليهم كأنها سنون، لا تغادر حلوقهم غصة الاحساس بالغدر والخيانة والوحدة وانقلاب الأيام.

ولاشك في أن الفارق جِدّ كبير، بين أب أو أم، يعيش مرتاحا هادئ البال، في كنف أولاده بعد مسيرة من الكفاح والكد، وآخر وجد نفسه نسيا منسيا بعدما دخل عقده السابع أو الثامن، لا يكاد يجد قوت يومه أو نفقة علاجه.

يحدث هذا، في وقت شدد فيه القرآن الكريم والرسول «صلى الله عليه وسلم» على ضرورة طاعة الوالدين والبر بهما، والعطف عليهما، عندما يتقدم بهما العمر ويبلغان من العمر عتيا.

«الراي»، التقت آباء وأمهات غدر بهم الأبناء، وأسقطوهم من حساباتهم وانحازوا للزوجة والولد، ناسين أن الأيام دُول، وأن ما يقترفونه في حق آبائهم سيرتد حتما عليهم، في الدنيا والآخرة.

مريم «70 عاما»، احتل الحزن وجهها وعسكر فيه، فهي لا تصدق أنها بعد كل هذه السنين، نزيلة في دار مسنين.

قالت في صوت متهدج لـ «الراي»: طردني ولدي الوحيد، الذي ناضلت في سبيل تربيته بعد رحيل زوجي مبكرا من شقتي، حتى يتزوج فيها، أعيش الآن وحيدة بلا مأوى ولم يسأل عني في عيد الأم، لا حول ولا قوة الا بالله - وتدخل في نوبة بكاء.

زينب «67 عاما»، تبدو مكلومة، نظراتها تائهة، كثرة النحيب ضيّعت صوتها الا قليلا، تحاول استجماع قواها، لتتحدث بصعوبة قائلة: «أقسم بالله، فعلت كل شيء من أجل ارضاء ابني الوحيد، حتى بعدما تخرج في الجامعة ولم يجد عملا، بعت مصاغي، ومنحته قيمتها لينشئ مشروعا صغيرا، وبعدما جرى المال في يديه، يبخل الآن عليّ بنفقات علاجي من السكر، هل تصدقون أنني «أتسوله» من بعض أقاربي، وأهل الخير؟!».

أما صفية التي تستسلم لدموعها، التي تنساب من مقلتيها كالسيل المنهمر «74 عاما»، فحكايتها مريرة، حيث أجبرتها زوجة ابنها، على ترك شقتها، بسبب افتعال المشاكل واختلاق المشاجرات معها.

قالت لـ «الراي»: «أقسم بالله، لا أتشاجر ولا أفتعل الأزمات، كل ما كنت أرجوه، أن تتركني أبيت بين جدران أربعة، هادئة البال، لكن زوجة ابني، استكثرت عليّ ذلك، بالرغم من أنه ليس بكثير، وسوست في أذنيّ ابني، وملأتهما بالأكاذيب، وأنا الآن أتسكع عند أهلي وأقاربي، ومن المؤكد أنني عبء ثقيل عليهم، ولكن ماذا أفعل؟ فقد غدر بي وحيدي، وضحى بي من أجل زوجته!».

وفي هذه اللحظة، تسكت صفية عن الكلام المباح، فقد وقف البكاء الشديد حائلا من دون خروج صوتها الضعيف.

وهذه هي فاطمة ذات السبعين خريفا، تلقنها الأيام درسا قاسيا عنيفا، كانت فاطمة تدلّل ولدها الوحيد، بينما تسيء معاملة بناتها الخمس، وعندما تقدم بها العمر، زحف المرض على جسدها، تخلى عنها الذي كانت تقف بجانبه وتوفر له «لبن العصفور» وبخل عليها بمجرد زيارتها.

ولم يقف الى جوارها، ولم يقم على رعايتها وتطبيبها، سوى بناتها اللاتي يتركن بيوت أزواجهن وأولادهن من أجل التناوب على متابعتها وتوفير ما تحتاجه.

ومعهن في الهم سواء، الحاج راشد «84 عاما»، الذي فكر ذات يوم في الاقدام على الانتحار، يأسا من الحياة بعدما تنصل أبناؤه الخمس منه، وكأنه أصبح وصمة عار بالنسبة لهم.

عم راشد، كان بائعا متجولا، يعمل على مدار الساعة، حتى يوفر نفقات أبنائه، ويتمكنوا من استكمال تعليمهم، ويصلوا الى أعلى المراكز.

قال مندهشا: وفقني الله الى ما كنت أصبو اليه، واحتل أولادي الخمس مراكز مرموقة، ويتقاضون رواتب كبيرة، وبالرغم من ذلك تنكروا لي وتنصلوا مني، خاصة عندما أرادوا الزواج، لقد رفضوا حضوري، لأنهم ارتبطوا بأسر ثرية ومرفهة، واعتبروا حضوري وصمة عار لهم، الآن أعيش وحيدا في دار مسنين لا يزورني أي منهم، لماذا؟ لا أدري، أقسم بالله ما أسأت الى أحد منهم يوما، «حسبي الله ونعم الوكيل».

سألنا الشيخ عبدالرحيم محمد السيد - من علماء الأزهر الشريف - عن سر استشراء ظاهرة عقوق الوالدين، بشكل أصبح يمثل القاعدة، وما سواه هو الاستثناء؟

فنبه فضيلته، الى أن موقف الاسلام واضح وصريح، في هذه المسألة، فقد أمر الله في قرآنه الكريم، والرسول «صلى الله عليه وسلم» في أحاديثه الصحيحة بالبر بالوالدين، والاحسان اليهما، في حياتهما وبعد موتهما، فكلاهما سبب وجود أبنائهما، الأم حملت، وتعبت وسهرت الليالي وأفنت عمرها في التربية والخدمة، والأب، اجتهد في تحصيل المال من أجل توفير كل شيء لفلذات أكباده.

وأضاف لـ «الراي»: هذا يستوجب أن نرد الجميل بما هو أجمل وأحسن، لا أن نسيء معاملتهما عندما يتقدم بهما العمر، ولا يملكان من أمرهما شيئا.

فقد قال تعالى في سورة الاسراء «وقضى ربك ألا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا، اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا».

مضيفا: ان طاعة الوالدين، أمر الهي يجب تنفيذه، وعدم اهماله، محذرا الأبناء الذين يسيئون معاملة آبائهم، من سوء العاقبة.

ويسوق الشيخ عبدالرحيم حديثا نبويا واضحا وصريحا على أهمية وضرورة طاعة الوالدين، فقد سئل «صلى الله عليه وسلم»: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال «صلى الله عليه وسلم»: أمك، قال السائل: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.

ومنه يتبين - كما قال الشيخ - أهمية الاحسان الى الوالدين، وخاصة الأم، بدلا من القذف بهما في دور المسنين والشوارع، والتخلي عن توفير احتياجاتهما الأساسية من المطعم والمشرب والملبس والعلاج.

ويعتقد علماء النفس، أن الافراط الزائد في تدليل الأبناء أو القسوة معهم، قد يخلق أجيالا من ذوي القلوب القاسية التي لا تعرف الرحمة ولا تلين، عندما يتقدم آباؤهم في العمر.

مطالبين، بالاعتدال والوسطية في تنشئة الأبناء، والعدل بينهم، وعدم تفضيل أي منهم على الآخر، حتى في القبلة أو العطية، ولنا في قصة اخوة يوسف «عليه السلام»، العبرة والعظة.




في وحدتها تلجأ للكتاب