«السيريالية»... عالم لا نهائي من العجائب والغرائب... نعود معه إلى عالم «الاسطورة والخرافة والحلم والخيال والتراث الشعبي»... هذا ما يؤكده استاذ ورئيس قسم التصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة... جامعة المنيا في مصر... الفنان الدكتور السيد القماش.
القماش... يصفونه بانه «السيريالي الاول» في مصر الآن .... عبر لوحاته المرسومة بالابيض والاسود التي تتطاير منها مفردات ورموز مدهشة تجسد احلاماً وآلاماً وآمالاً وانكسارات وانتصارات... دفعته لإقامة معرض جديد يضم 30 عملاً فنيا بعنوان «امنا الغولة».... في المركز المصري للتعاون الدولي بحيّ الزمالك بالقاهرة .
اقتربت «الراي» من هذا العنوان المثير الذي دفع الكاتب الصحافي الدكتور صبحي الشاروني... ليؤكد في كلمته التي جاءت بكتالوج المعرض... تحت عنوان «امنا الغولة في عصر الكمبيوتر»... ان الفنان السيد القماش يرجع بنا إلى ايام جدتي التي كانت تحكي لاحفادها حكايات امنا الغولة، وتضيف إليها «مغامرات نص نصيص» وإخوته الذين يتورطون في مشاكل قاتلة بسبب عدم طاعتهم لامهم فيسقطون في احضان امنا الغولة.
مضيفا: تدفعنا لوحات هذا المعرض إلى ايام «عصر السحر»... عندما كانت التعاويذ والرؤى والكلام غير المرتب ترتيباً منطقيا هو الذي يملأ حياة البشر، إلى الحد الذي جعل إحدى اللوحات تتسلط على الكمبيوتر في عصرنا الحاضر وتعترض عمله حتى يحتضن الفنان الجهاز الحديث ويفك اسره ويطلق طاقاته التي قيدتها امنا الغولة بالتوسلات ونداءات التهدئة التي اطلقها الفنان لترضيتها بعد ان رسمها .
ومن جانبه، قال الفنان السيد القماش: «امنا الغولة» اسطورة شعبية مصرية كانت تحكيها جدتي... اصبحت مثلا للتقدم لانها تخوفك بها دون ان تعرف شكلها... تصورتها في خيالي انها غولة مخيفة ومرعبة.
وكمنت فكرة «امنا الغولة» في الباطن، منذ عامين او ثلاثة اعوام... عندما حصلت عندي بعض المشاكل الخاصة في شغلي وفي حياتي فتم استدعاء امنا الغولة... ووجدتها حولي في التلوث وفي المجتمع وفي الناس وفي الافكار، لكن لا اعرف شكلها.
واكد ـ في تصريحات لـ «الراي» ـ ان .... الفنان معجون بالفن، معجون بالفكرة، معجون بالخوف، معجون بالفرح، معجون بالانتصار، معجون بالهزيمة، معجون بالفشل، معجون بالسعادة، معجون بالرعب، وهذه سمة الفنانين، فالفنان متواتر مع حالات المجتمع... وهذه هي الحالة الفلسفية لفكرة امنا الغولة، اما التكنيك فهو خزين داخلي لدى الفنان يعكس خبراته المتعددة .
واضاف: عندما ارسم بالابيض والاسود هذه اللوحات ارسم من عين المصور فهي ليست اعمال جرافيك وليست تكنيك الجرافيكيين... كأنك ملون بالفرشاة ومصورها بالابيض والاسود، هذا اللون الذي اعشقه لانه اصدق لون في الدنيا لا هو كذاب ولا هو منافق، اللون الاحمر ممكن يكون «كذاباً ومنافقاً» وكذلك اللون الاخضر.
واستطرد: اتكلم الآن عن هذه الاعمال كناقد او كمتلق او كمتفرج، فالفنان اول ناقد لنفسه... لكن الناقد الصادق... يخرج من حالة الفن ويتحول إلى متلقٍ، اكتشف حاليا في افتتاح هذا المعرض ابعادا جديدة، لا انكر ان توحش العناصر كانت هي المسيطرة عليّ، اضفت بعض الالوان لتضيف دراما خاصة بي لان اللون الازرق له معنى عندي، اللون الفسفوري الاخضر لون غير طبيعي لون مليء بالقلق والتوتر، اللون البنفسجي مليء بالحزن الدفين... نحس ان الحيوانات الصغيرة فيه حزينة.
وفي هذا المعرض، وفي مجموعة المعارض الاخيرة الرسم عندي تغريد على وتر الابيض والاسود، مع ملاحظة ان الابيض والاسود من اصعب الاعمال لانك تجمع جميع درجات الكون في الابيض والاسود .
ولفت... إلى قدرة الفنان السيريالي بان يكون رساما من الدرجة الاولى هذه معلومة لابد ان تصحح، اعظم الرسامين في العالم هم رسامو السيريالية، لان السيريالي يجمع بين عوالم متعددة في عالم واحد... يجمع الطائر والحيوان والنبات والماء في عالم، هذه هي المعادلة العبقرية بالنسبة للفنان السيريالي، هذا يرجع لثلاثة عناصر لكونه رساما شاطرا... درس الكون كله... يعرف كيف يرسم الهواء، هذه قيمة التعلم للواقع وللحياة وبصدق وبامانة، حاولت ان انقل تجربتي للجمهور وحاولت ان اعبر عن وجهة نظري اتمنى ان تكون وصلت.
واشاد القماش بإقامة معرضه في المركز المصري للتعاون الدولي، لانه مكان محترم وجمهوره مستواه رفيع، وقال: علاقتي بهم وطيدة، دورهم في الحركة الثقافية دور عال جدا... وقاعة جميلة تحتوي اعمالي كأن فيه حنانا بينها وبينهم.
واعرب القماش لـ «الراي» عن سعادته باستقبال صالون مصر لاعمال اساتذة كبار في الفن المصري، يعرض كل منهم تجربته كاملة... حيث يعرضون نتاج اعمالهم التي تعبر عن الكيان التشكيلي لجميع الاساتذة الموجودين، وهم فنانون لهم قيمتهم في الحركة التشكيلية في مصر وفي العالم ولهم تلاميذ ولهم دور.
وقال: انا سعيد بصالون مصر، لان كل دورة يكون معهم مجموعة تعدوا الـ 60 وتركوا اثرا في العمل الفني والحركة التشكيلية المصرية والعربية والعالمية .
واضاف: شهدنا هذا العام افضل دورة صالون شباب بالنسبة للاعمال المتقدمة، اما الجوائز فعليها بعض التحفظ.... فهناك الكثير من الاعمال على مستوى عال جدا ولها بعد درامي وبعد نفسي وتكنيك عال جدا لم تحصل على جوائز، احترم وجهة نظر لجنة التحكيم طبعاً لكن ارجو ان تتوسع لجنة التحكيم وتعطي فرصة اكثر لشباب يحصلون على جوائز .
ولفت... إلى ان الدورة الثانية لمهرجان الإبداع التشكيلي حققت نجاحا وتطورا عن العام الماضي مثل اي دورة من الدورات لاي عمل، فهذا العام التنظيم احسن، والإنتاج الفني اعلى، الدولة وفرت كتيبات وكتالوجات على مستوى رفيع جدا، دقة في التعامل مع الفنانين في المواعيد.
وقال: اتمنى من قطاع الفنون التشكيلية ان يستمر على ذلك لانه في النهاية ملك مصر كلها... هو صورة حركة التشكيل المصري والعربي، مصر هي الفن... مصر هي التشكيل .
واضاف: في الدورة الـ «18» لبينالي الإسكندرية كانت جميع دول حوض البحر الابيض المتوسط مشاركة، لا اعلم لماذا تحجم الدول الآن عن الاشتراك، ارجو من إدارة البينالي ان تبحث عن هذا الخطا... هل هو خطأ إداري ؟ هل هو خطأ فني؟ هل لا توجد ثقة في البينالي ؟ ونعالج هذا... عندنا فنانون كبار مسؤولون عن هذا الامر.
واعرب عن تخوفه من ان يسرق بينالي الإسكندرية من مصر، لان هناك محاولات جادة لخطف بينالي الإسكندرية، وهو ثاني اقدم بينالي في العالم بعد بينالي فينيسيا.
تفجرت صرخة اساطير القماش من جانب الدكتور إسماعيل محمد عبد المنعم، الذي وصف القماش في كلمته بكتالوج المعرض «بالسيريالي الاول في مصر الآن»، وانه نجح في تحقيق ما فشل فيه غالبية من حاولوا الدخول إلى عالم السيريالية دون قدرة متأنية على قراءة اساطير ذلك العالم السحري . ولفت... إلى ان... اول بيان صدر عن السيريالية العام 1924 في باريس، اصدره «اندريه بريتون»، واول من اصدر بيان السيريالية في مصر كان جورج حنين العام 1938، وكان من روادها في ذلك الوقت في مصر «الفنانون عبد الهادي الجزار وحامد ندا وسمير رافع وإبراهيم مسعود»، والسيريالية اسم يطلق على الفنون التي تستمد اشكالها ورؤاها من نبضات عوالم العقل الباطن الغامض «اللاشعور» فتسفر عن خيالات لا علاقة بينها ولا اساس لها في دنيا الواقع .
الناقد ايمن حامد... اكد ان... معرض الفنان السيد القماش يحوي عدة رموز وعناصر ومفردات نابعة من تراب مصر من صميم البيئة من الفلاحين، عالم الخرافة، عالم السحر، عالم الخيال، ببساطة شديدة حواديت المرأة العجوز التي تجمع الاطفال وتحكي لهم حواديت مثيرة جدا تلهب خيال الطفل تطير به إلى آفاق الدنيا الرحبة الواسعة... خيال الطفل لا حدود له .
وقال لـ «الراي»: اشبه المسألة بالف ليلة وليلة... التي كانت تقدم في الإذاعة المصرية في رمضان... كانت تلهب خيال المستمع، لما دخل التلفزيون اصبح تفكيرنا محدودا في الصورة، العلاقة بين الجماد والإنسان والحيوان والحشرة ودخولهم مع بعض في عالم خرافي جميل... هذا هو معرض السيد القماش، إذن المسألة عالم شديد الرحابة ليس منحصرا فقط في مسألة امنا الغولة وليس منحصرا في مسألة الخيال الشعبي او الخرافة الشعبية، لكن ممكن ان اجد عوالم رحبة شديدة الاتساع كلها تأتي من العقل الباطن .