د. محمد علوش / لبنان وورقة السلفيين من جديد
1 يناير 1970
06:57 ص
| د. محمد علوش |
مع تردي الأوضاع في مدينة طرابلس، يكثر الحديث عن خلايا سلفية متشددة تنشط داخل المخيمات الفلسطينية وعلى طول الحدود اللبنانية السورية وفي بعض المدن مثل طرابلس وبيروت، إذ تمكنت القوى الأمنية من توقيف عدة افراد داخل شبكة قيل انها تابعة لتنظيم القاعدة الأسبوع الفائت وبالتنسيق مع المخابرات الأميركية وفقاً لما تسربه وسائل الإعلام المحلية.
واذا عدنا الى بداية الاحداث الأمنية التي ضربت طرابلس الاسبوع الماضي، وما زالت آثارها قائمة، نجد أن السبب الظاهر للاضطرابات التي وقعت كان توقيف الشاب شادي مولوي الناشط في إغاثة النازحين السوريين. وكان لطريقة توقيفه الأثر البالغ في الغليان الذي شهده الشارع الطرابلسي.
من المعلوم ان شادي كان قد تم اعتقاله لمدة سنتين عام 2007، على خلفية اتهامه بالانتماء الى تنظيم فتح الاسلام، الذي خاض حربا ضروسا مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، شمال لبنان، وأسفرت يومها عن سقوط مئات القتلى والجرحى، الا انه أخلي سبيله في ما بعد دون ان يحاكم طيلة توقيفه، ودون ان تثبت التحقيقات معه تورطه في الاحداث أو الانتماء للتنظيم المذكور. واليوم تعاود القوى الأمنية اعتقاله من جديد في الوقت الذي يكاد ينفجر فيه الشارع السني وتحديدا في طرابلس على خلفية التعاطي الحكومي والأمني مع ملف الموقوفين الإسلاميين البالغ عددهم حوالي 360 شخصا في السجون غالبيتهم من اللبنانيين، إذ لم تجر محاكمة لأي من هؤلاء منذ احداث نهر البارد حتى يومنا هذا، في حين تم اطلاق سراح كبير العملاء لإسرائيل، بينما مضى على هؤلاء خمس سنوات، ولا يجرؤ احد على الإفراج عنهم، ولا حتى الحديث بشأنهم سوى التيارات والجماعات الاسلامية.
ومع عودة اعتقال مولوي تجرأت القوى السلفية على التحرك في طرابلس فقطعت الطرقات وأقامت الاعتصامات، لأنها كانت ترى في اعتقاله استهدافا آخر، لا يقف عند حدود ملاحقة الإسلاميين لمجرد انتمائهم الفكري، وانما يطول كل من يدعم الانتفاضة في سورية، أو يؤوي النازحين أو يتعاطف معهم، وهو ما أعطى لتحركهم زخما إضافيا، يتناسب مع الاحتقان المذهبي والطائفي الذي يعيشه الشارع اللبناني كله.
الآن يتم الحديث عن هروب عدة أفراد من عناصر فتح الاسلام من مخيم عين الحلوة، وقد اثار هروبهم هلع اجهزة المخابرات، خشية ان تكون النية لديهم التوجه الى طرابلس لمواجهة الجيش وإشعال فتيل الصراع اكثر ما هو مشتعل، وهم اصحاب خبرة في المواجهات.
وبالعودة لأحداث طرابلس نجد ان اعتصام السلفيين في المدينة، كان يهدف للإفراج عن شادي مولوي، وبدء محاكمة لبقية الموقوفين الإسلاميين او الإفراج عنهم، في حين ان الأحداث الأمنية التي شهدتها منطقتا باب التبانة وجبل محسن جاءت متزامنة مع التحرك السلفي السلمي، في محاولة لقطع الطريق على مطالبهم، ولإجهاض تحركهم، ولإبقاء الأمور على حالها... الامر الذي قرأ فيه السلفيون محاولة استخباراتية اقليمية لخلط الأوراق ولتشويه صورة تحركهم لغايات يقول فيها السلفيون: «هناك من يريد ان تكون الطائفة السنية في لبنان مكسر عصا».
هذه الاحداث وغيرها، هيأت الأجواء لمن يريدون الزج بالاسلاميين في لعبة الصراع السياسي الداخلي، وتأثره بالوضع الاقليمي، من خلال تركيز الضوء إعلاميا على الخطر السلفي، واكثار الحديث عن تحويل طرابلس الى امارة سلفية، وعن نشاط للقاعدة، وامكانية توفيرها الدعم المباشر للأحداث التي تجري في سورية.
واللافت حقيقة في هذا الموضوع، ان القائمين على خلق السيناريوات البوليسية والاستخباراتية لا يكفون عن الاستثمار بالورقة السلفية التي قد تحرق الاخضر واليابس على غرار ما حصل في نهر البارد سابقا، دون علاج حقيقي نابع من الحرص على وحدة البلد واستقراره والتعاطي مع كل أبنائه بمنطق ومعيار واحد أساسه العيش المشترك.