نافذة على التاريخ / جاسم الإبراهيم... سجل حافل بالخير
1 يناير 1970
04:52 ص
| د. فيحان العتيبي |
ولد الشيخ جاسم بن محمد بن علي آل ابراهيم بن ريمان العنقري عام 1869م في فريج ابن ابراهيم في بهيته «حي الوسط» في مدينة الكويت** أمام موقع قصر السيف حاليا، اذ استقر اجداده في الكويت 1120هجرية بعد هجرتهم من اقليم الوشم بنجد وهم من امراء ثرمدا ويتحدرون من بني سعد من تميم رهط الصحابي الجليل قيس بن عاصم العنقري وهو من اكبر اثرياء الكويت في اوائل القرن العشرين، وكانت له مساهمات مشرفة لبلده الكويت ووطنه العربي والاسلامي.
كان آل ابراهيم من اوائل التجار الكويتيين الذين استقروا في الهند وعملوا في مجال التجارة اوائل القرن التاسع عشر وعملت اسرة آل ابراهيم في تجارة اللؤلؤ حتى ظهور اللؤلؤ الصناعي، وكانت لهم بساتين من النخيل في جنوب البصرة كحال بقية الاسرة الكويتية الثرية، حيث كانت بساتين اهل الكويت خير عون لأهلها في تخطي الاوقات العصيبة التي مرت على الكويت في العشرينات وأوائل الثلاثينات بسبب الجفاف والكساد العالمي، كما كان لأسرة آل ابراهيم مكابس للتمر قبل الحرب العالمية الأولى حيث توضع التمور في صناديق خشبية تشحن إلى اميركا وبريطانيا ويكتب عليها باللغة الانكليزية «تمور نوعية نظيفة جيدة خالية من الامراض انتاج بلاد مابين النهرين».
تسلم الشيخ جاسم الابراهيم بعد وفاة والده وعمه عام 1908 اعمال الاسرة ونشاطها التجاري، وقام بتأسيس شركة المراكب العربية المحدودة في الهند وهي أول شركة ملاحة عربية خاصة بالبواخر الحديثة، كما أسس مصانع أخرى للعقاقير في بومباي.
كان جاسم الابراهيم من أهل الجود والكرم وله اسهامات ومواقف مشرفة سطرها التاريخ وتبرع بمساعدات مالية داخل الكويت وخارجها لا يبتغي بها إلا وجه الله عز وجل، وذكر عنه الشيخ محمد رشيد رضا انه كان كتوما في اعماله الخيرية ولا يريد شهرة منها ولا جاها أو مردودا بل ثوابا عند ربه وقربى.
قدم جاسم الابراهيم سيارة إلى الشيخ مبارك الصباح وهي اول سيارة دخلت إلى الكويت، كما قدم للشيخ مبارك هدية ثمينة وهي عصا السلطان العثماني عبد الحميد اشتراها من معرض مقتنيات السلطان في احد المزادات العالمية في باريس.
تبرع جاسم الابراهيم بمبلغ 30 الف روبية للمساهمة في بناء المدرسة المباركية عام 1911 أول مدرسة نظامية في الكويت- وساهم في بناء مدرسة الهداية الخليفية في البحرين عام 1919، كما ذكر المؤرخ الكويتي يوسف القناعي ان الشيخ محمد الصباح الحاكم السادس للكويت أودع احتياط الامارة أمانة لدى جاسم الابراهيم في مدينة بومباي في الهند.
على المستويين العربي و الاسلامي ساهم الشيخ جاسم الابراهيم في تأسيس كلية الارشاد والدعوة في القاهرة عام 1911 وتبرع بمبلغ ألفي جنيه استرليني واشتراك سنوي بقيمة مئة جنيه استرليني بواسطة الشيخ محمد رشيد رضا، كما ساهم في حملة تبرعات لترميم مسجد وضريح الزبير بن العوام وإعادة بنائه عام 1334هـ وكان مع ثلاثة من السلاطين العثمانيين الذين بنوا وعمروا هذا المسجد، وساهم الشيخ جاسم في إنشاء الجمعيات الخيرية الاسلامية في المدينة المنورة وفي دمشق وساهم في بناء سكة الحديد في الحجاز ودعم الحركة السنوسية في ليبيا وساهم في دعم المجهود العربي للدولة العثمانية وحرص على ان يكون ضمن المساهمين والمشاركين في دعم بناء أول مسجد في لندن عام 1917، وايضا كانت له مساهمات في دعم جمعية الحزب الحر المعتدل في البصرة ودعم إنشاء مستوصف ومدارس وملجأ للايتام في البصرة.
كانت له علاقات وطيدة مع القادة والسياسيين العرب والاتراك ومنهم جاويد باشا وطلعت باشا وطالب النقيب وعبد الوهاب باشا، وكان يجيد لغات عدة وزار معظم عواصم البلاد العربية وأوروبا وأقام شبكة علاقات تجارية وثقافية وأدبية وتاريخية واسعة، وقد توفي عام 1956 ودفن في بومباي ولا تزال مواقفة وسيرته تتناقلها الاجيال ويسطرها التاريخ باروع صوره.
كان رحمه الله جوادا كريما لايرد سائلا ولا محتاجا، كما عرف عنه علو الهمة وحسن الخصال والسجايا قريبا من الناس فاحبهم واحبوه واحتل مكانة عالية في نفوس الكثيرين سواء داخل الكويت او خارجها، وترك بصمات واضحة في العمل الإنساني والخيري لايمكن حصرها في مقالة.
* استاذ التاريخ الحديث والمعاصر
في جامعة الكويت
Twitter: @Drfehanalotaibi