منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / حوار بين اثنين... الكبد ثالثهما !

1 يناير 1970 10:14 م
ورد في كتاب «طب القلوب» للإمام بابن قيم الجوزيه «رحمه الله» والذي جمع مادته الدكتور الفاضل عجيل النشمي، حوار القلب والعين، القلب يعاتب العين فقال لها: أنتِ التي سقتني إلى موارد الهلكات، وأوقعتني في الحسرات، بمتابعتك اللحظات، ونزهتِ طرفك في تلك الرياض، وطلبت الشفاء من الحدق المراض، وخالفتِ قول أحكم الحاكمين... «قل للمؤمنين...» سورة النور آية 30.

فاحتجت العين وقالت للقلب: ظلمتني أولا وآخر، وبؤت بإثمي باطنا وظاهرا، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك، ورائدك الدال عليك، فأنت الملك المطاع، ونحن الجنود والأتباع، أركبتي في حاجتك خيل البريد، ثم أقبلت علي بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابي، وأرخي علي حجابي، لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمى ورتعت، أرسلتني لصيد قد نصبت لك حبائله وأشراكه، واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيراً، بعد أن كنت أميراً، وأصبحت مملوكاً، بعد أن كنت مليكاً، هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام، حيث يقول: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب».

الكبد ترد الخصومة على المتخاصمين لما سمعت تحاورهما الكلام، وتناولهما الخصام، فقالت: أنتما على هلاكي تساعدتما، وعلى قتلي تعاونتما، أنا أتولى الحكم بينكما... أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمرة فرسا رهان، فالعين تلتذ، والقلب يتمنى ويشتهي، وإن لم تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار، وإلا فما لك من قرة، ولا للقلب من قرار.انتهى كلامه

كلنا يعلم أن الحب قوت للقلوب، وغذاء للروح، وشفاء للنفس، وعندما أوردت حوار القلب والعين، ليس المراد منه هو تبيان الحكم الشرعي لغض البصر من عدمه، ولكنها كانت لفتة مني لاحتواء من تحب، وإن كان لديك شريك في الحياة وتحبه فلا تختصم معه وتعاتبه، وهو يحتج عليك، وتبحثون عمن يرد الخصومة بينكما، وقد لا يكون منصفا فيظلم أحدكما.

كثير من المشكلات التي تعترض حياتنا، سواء أكانت من المشكلات الأسرية أو الاجتماعية أو حتى في علاقات العمل، سببها الرئيس العتب واللوم والاحتجاج، وعدم تحمل أخطاء الغير، لا نقصد بتحمل أخطاء الغير هو إقصاء حقوقنا، أو التنازل عن شيء منها، نتحمل زلل وخطأ الأطراف الأخرى بحسب مكانتهم في قلوبنا وعقولنا، ونوعية العلاقة التي تربطنا بهم، وعلى قدر استطاعتنا، حتى لا نكلف أنفسنا ما ليس بوسعها ومقدورها، ولنجعل لنا معيارا نكيل به حاجتنا من الآخرين، ونستند به على طاقتنا ومقدرتنا على تحمل سقطات وأخطاء من يعيشون حولنا، ولِنعش بتوازن نفسي وعقلي من دون أن يطغى أحدهما على الآخر، فتختل الموازين ونفقد صمام التحكم بانفعالاتنا ونؤنب ونلوم ونعاتب الآخرين على خطأ قد نكون نحن السبب والمسبب له، من دون أن نشعر، وذلك لردود أفعالنا العنيفة على فعل قد لا يستحق التوبيخ والتنديد بأطراف وأشخاص تربطنا بهم علاقات وثيقة ووطيدة، وقد نخسرهم إن لم نتوخَ الحيطة والحذر في كل قول وسلوك وفعل يصدر منا لهم، ويا ليت الخاسر يكون شخصا واحدا فقط، بل الخصام يتعدى على أطراف نودهم، لذا اجعل لك باعثا ودافعا ذاتيا يعينك على تقبل أخطاء الغير من غير خسارة لنفسك أو أي فرد من الأفراد الذين يعيشون من حولك، لهذا عندما عاتب القلب العين احتجت، وكان الهلاك والقتل من نصيب الكبد، فاحذرا أن تتخاصما ويكون الهلاك والردى من نصيب أحبابنا.



منى فهد العبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib