د. محمد مصطفى علوش / غفر الله لك يا سماحة المفتي
1 يناير 1970
08:58 ص
هل خدمت القضية الفلسطينية زيارةُ مفتي مصر الدكتور علي جمعة المسجد الأقصى يوم الأربعاء الماضي كما يقول مؤيدو الزيارة؟ فالزيارة التي قام بها المفتي تعتبر الأولى من نوعها لأعلى مرجعية اسلامية رسمية في العالمين العربي والإسلامي. ولن ندخل في جدلية ما إذا كانت الزيارة علمية بحتة وتمت بقصد التعبد، وأن المفتي لم يدخل بتأشيرة اسرائيلية وفقاً لما قاله مستشاره ابراهيم نجم وانها - أي الزيارة - كانت بالكامل تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية علماً ان صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصادرة يوم الخميس 19 الشهر الجاري، أي اليوم التالي للزيارة، نقلت عن مصادر اسرائيلية قولها: «إن الزيارة جاءت بالتنسيق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، وليس مع وزارة الخارجية الإسرائيلية».
كما لن أتوقف عند فتوى الشيخ محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية، ووكيل الأزهر السابق بأنه لا يوجد حظر ديني على السفر للقدس، وكذلك فتوى عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي بأن دخول القدس بتأشيرة اسرائيلية غير محظور شرعاً.
ولا أظن أن الاستدلال بزيارة النبي الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، الحرم المكي، والصلاة فيه تحت سلطة كفار قريش، دليل على صحة زيارة سماحة المفتي، لأن كفار قريش كانوا أهل مكة أساساً، وليسوا دخلاء عليها، وليس هو حال الاحتلال الإسرائيلي الذي يشوه المعالم الدينية والتاريخية في المدينة المقدسة خلافاً لما كان عليه كفار قريش.
وربما هذا ما دفع شيخ الأزهر عبد الحليم محمود لرفض زيارة القدس المحتلة حين دعاه الرئيس أنور السادات لمرافقته في زيارته لإسرائيل عام 1977.
وإذا قلنا ان الأمر فيه اجتهاد فقهي وسياسي بين مبيح زيارة الأراضي المقدسة حتى ولو كانت تحت الاحتلال للتأكيد على أحقية الأمة بها وتذكير الأمة بوجوب تحريرها، وبين مستنكر دينيا وسياسياً باعتباره تطبيعا واضحا واعترافا بالمحتل، فإننا نطرح حزمة من الأسئلة، ليس من باب الانتقاص، وإنما من باب مشروعية التساؤل فقط.
ألم يتساءل سماحة المفتي عن سبب كرم الاحتلال معهم في سماحه لهم بزيارة المدينة في الوقت الذي يُحرم فيها أهل القدس أنفسهم ممن هم دون الخمسين او الأربعين من زيارة المسجد الأقصى؟ ألم يتساءل: لماذا يرضى الاحتلال ويرحب بقدوم أي مسلم غير فلسطيني لزيارة القدس المحتلة، ويمنع شيخ القدس رائد صلاح من الصلاة فيه أو القدوم اليه وهو ابن القدس وعالمها، والحال عينه مع الشيخ عكرمة صبري؟
ثم ما الذي قد نستفيده من زيارة بيت المقدس، وهو أمر ليس فرض عين، بل الفرض هو تحريره؟ ثم كيف نترك الفرض ونتمسك بالمستحب؟ ونحن نعلم علم اليقين أن الامر سيثير جدلاً واسعاً وسيشغل علماء الامة ومفكريها ومثقفيها من مختلف المشارب في معارك داخلية لا يخرج منها رابح سوى الاحتلال الإسرائيلي؟ ألم يكن الأحرى بالمفتي أن يقوم بزيارة قطاع غزة المحاصر للتأكيد على حق مليون ونصف مليون انسان في العيش بكرامة وحرية ودون عبودية؟
الاحتلال يدرك ولا شك أن تسهيل زيارة علماء دين مسلمين ومسيحيين الى الاماكن المقدسة في فلسطين المحتلة يعطي له شرعية وجود، كما يعطيه الحق بأن يقول إنه لا يمانع بحماية هذه المقدسات والسماح لمعتقديها بزيارتها متى شاؤوا، طالما أن السيادة السياسية والأمنية له عليها، فلا مانع من السيادة الدينية لأهلها.. وقد يجد الغرب في ذلك امراً مشجعاً لطرحه كجزء من الحل في ترسيخ السلام الدائم بين العرب واسرائيل.
ما نخشاه أن تصبح زيارة الأماكن المقدسة اسلاميا ومسيحياً أمرا طبيعيا لدى قياداتنا الروحية تحت الاحتلال وهو ما قد يرفع الحرج عن الزعماء السياسيين اللاهثين خلف التطبيع لأهداف خاصة بهم. وما نرجوه هو ألا تُتخذ زيارة المفتي سُنة يتسنن بها من سيأتي بعده من المفتين طالما ان مصر صاحبة الثقل الديني والسياسي في المنطقة وما تقدم عليه سيلحق بها الآخرون ولا شك... عندها سيتحول النقاش عن ضرورة التحرير وازالة الاحتلال الى كيفية التعاطي مع الاحتلال للوصول الى حرية الاعتقاد! وهو أمر منال الاحتلال حدوثه.
د. محمد مصطفى علوش