نافذة على التاريخ / تجربة أول مجلس شورى في الكويت

1 يناير 1970 02:19 م
| د. فيحان العتيبي |

الحديث عن إنشاء أول مجلس شورى في الكويت ليس حدثا عاديا لأن الكويتيين منذ نشأة الكيان السياسي قبل أكثر من 350 عاما رسخوا منهجاً** وعرفاً اتفق عليه الشعب والأسرة الحاكمة بمشاركة الطرفين في إدارة شؤون الحكم، وبالتالي بدأ الاتفاق كعرف ثم تحول إلى وثيقة مكتوبة ومنها إلى دستور مكتوب.

في فبراير من عام 1921 وتحديداً بعد وفاة الشيخ سالم المبارك الحاكم التاسع اجتمع أهالي ووجهاء الكويت في ديوان ناصر البدر واتفقوا وتعاهدوا على توحيد الكلمة والعزم على الإصلاح وكتبوا اتفاقا وقعوا عليه وهو أول وثيقة دستورية في تاريخ الكويت السياسي المعاصر نص على التالي:

إصلاح بيت آل الصباح كي لا يجرى بينهم خلاف في تعيين الحاكم.

المرشحون لهذا الأمر هم: الشيخ أحمد الجابر الشيخ حمد المبارك الشيخ عبد الله السالم.

إذا اتفق رأي الجماعة على تعيين شخص من الثلاثة يرفع الأمر للتصديق عليه.

المعين المذكور يكون بصفته رئيساً لمجلس الشورى.

ينتخب من آل الصباح والأهالي عدد معلوم لإدارة شؤون البلاد على أساس العدل والأنصاف.

لم تكن مطالبة الكويتيين بمجلس منتخب أمراً مستغرباً في الكويت لان مشاركة الأهالي في إبداء الراي وإسداء النصيحة للحاكم، نشأت مع نشأة الكويت والشواهد كثيرة في تراجع الحكام عن بعض قراراتهم بعد معارضة أهل ووجهاء الكويت، كما ان المطالبة الشعبية الكويتية أصبحت هي الحدث الأبرز في منطقة الخليج العربي وتحول «العرف» الكويتي في نظام الحكم إلى نظام مكتوب يواكب بدء الوعي السياسي والثقافي للمجتمع الكويتي.

الأسرة الحاكمة لم تعترض على المطالبة الشعبية، بل رحبت بها واتفقت على اختيار الشيخ أحمد الجابر الذي بويع من الكويتيين وأول ما شرع به تشكيل مجلس شورى من 12 عضواً وهم: حمد الصقر يوسف القناعي أحمد الفهد أل الخالد عبد الرحمن النقيب مشعان الخضير أحمد الحميضي مرزوق الداود البدر شملان بن علي هلال بن فجحان إبراهيم المضف خليفة الغانم عبد العزيز الرشيد، وتم اختيار الصقر رئيساً له.

بحث مجلس الشورى في جلساته الأولى وضع نظام مصاريف ابناء الأسرة الحاكمة، وهي خطوة إصلاحية رائدة في وقتها تتعلق بمناقشة آلية ونظام المصاريف المالية للأسرة الحاكمة كما بحث المجلس شؤون القضاء الذي كان محل جدل للاهالي، فقرر تنحية القاضي الموجود وإسناده الى الشيخ أحمد الفارسي، لكن الاخير اعتذر عن قبول المنصب فقال: «لست بأحسن حال وسيرة ولا اكثر علما من قاضيكم الحالي»، فقرر المجلس الابقاء على القاضي موقتا على ان ينتخب عدد من ابناء الاسرة والأهالي من المختصين لإدارة شؤون القضاء ومراقبة الاحكام الشرعية، التي يصدرها القضاء او بما يسمى في وقتنا الحالي بمجلس القضاء، إلا ان الفكرة المطروحة لم يكتب لها النجاح.

بعد حوالي شهرين تسببت الخلافات بين الاعضاء لعدم وجود آلية تنظم عمل المجلس وجلساته، وكيفية التصويت وإرسال بعض الاعضاء اولادهم نيابة عنهم في حضور الجلسات في عدم استمرار المجلس.

عموما تعد تجربة مجلس الشورى الاول في الكويت أول حركة إصلاحية؟حدثت في منطقة الخليج العربي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وهي الخطوة الأولى في طريق تطور نظام الحكم في الكويت ليأخذ شكلا مؤسسيا مكتوبا ويمهد بقيام المجالس المنتخبة الأولى كمجالس المعارف والصحة والبلدية.



* استاذ التاريخ الحديث والمعاصر

في جامعة الكويت

Twitter: @Drfehanalotaibi