د. محمد مصطفى علوش / الأزمة السورية إلى منعطف جديد

1 يناير 1970 09:59 ص
| د. محمد مصطفى علوش |

دخلت الأزمة السورية منعطفا جديداً، أقل ما يقال فيه إنه مفصلي وخطير، وذلك بعد انتهاء المهلة المضروبة لوقف القتال التي وافقت السلطات السورية على الالتزام بها، ابتداء من الخميس الفائت، الثاني عشر من الشهر الجاري. وبهذا الخصوص، يفترض ألا يكون وقف اطلاق النار هدفاً بحد ذاته عند الجميع، بقدر ما هو يدشن لمرحلة جديدة، قطب رحاها البدء بمفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة برعاية أممية، تفضي الى انتقال ديموقراطي في سورية.

والسؤال الأكثر خطورة : هل سينجح وقف اطلاق النار أصلاً قبل الحديث عن بدء المفاوضات؟ عملياً، لا يستطيع أحد الجزم بإمكانية ذلك، إذا ما أخذنا بالاعتبار المبادرتين السابقتين للجامعة العربية.

وفي استعراض سريع لمبادرة المبعوث الدولي كوفي أنان الى دمشق نجد ان الحكومة السورية اعلنت في مارس الماضي التزامها بالمبادرة المكونة من ست نقاط، والتي تتلخص في الوقف الفوري لجميع أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، وتسهيل عملية الانتقال السياسي بقيادة سورية، وبدء حوار بين الحكومة السورية وجميع أطياف المعارضة السورية. ومن ضمن ما نصت عليه المبادرة، التي لم تحدد مهلة زمنية لتطبيق كامل بنودها، سحب الجيش السوري قواته واسلحته الثقيلة من المناطق السكنية وما حولها في وقت لا يتعدى العاشر من إبريل الجاري على ان تبدأ الأطراف المتصارعة بالتزام هدنة انسانية يومية مدتها ساعتان افساحا في المجال لأعمال الإغاثة وغيرها.

وبالعودة الى تعاطي الحكومة السورية مع المبادرة السداسية، نجد أنها تمكنت من اقناع المجتمع الدولي قبل القبول بالتفاوض معه على الإعتراف، ضمناً ومن ثم تصريحاً، ان الصراع في سوريا يدور بين طرفين مسلحين، وليست حرباً شاملة يشنها طرف واحد ضد شعب أعزل، كما تعتقد كل من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والمجلس الوطني السوري.

وبفضل الدعم الروسي في أروقة مجلس الأمن، الرافض لاستصدار أي قرار ضد سورية، نجحت الحكومة السورية قبل استقبال كوني أنان في دمشق، أن تنتزع اعترافاً آخر من مجلس الامن تضمنتها مبادرة أنان تنص على الاعتراف بوجود، جماعات مسلحة، يسميها النظام «عصابات ارهابية» أو يسميها خصومه «المعارضة المسلحة»، بكلا الحالتين، بات هناك اعتراف دولي بوجود طرف آخر يمارس العنف الى جانب النظام. كما نجح النظام بشطب أي مبادرة، تنصّ على تنحي الرئيس السوري، رغم كل التصريحات الغربية والعربية الداعية الرئيس بشار الأسد للاستقالة.

الخطوة الثانية التي تكتك لها النظام، هو التفاوض على تفصيلات بنود المبادرة، وقد نجح في حمل انان على التغاضي عن بند «سحب الآليات العسكرية والأسلحة الثقيلة من المدن والقرى الآهلة»، والتركيز بدلاً من ذلك على بند «وقف العنف المتبادل» مع انتزاع فقرة جديدة لصالحه، تضاف الى الصيغة السابقة تفيد بـ «حق الجيش السوري في الردّ على أي اعتداء أو خرق لاتفاق وقف اطلاق النار». كما أن بند «البدء فوراً بمفاوضات شاملة بين النظام والمعارضة بقيادة سورية» كان طرحاً للنظام السوري منذ اندلاع الأزمة إلا ان المعارضة لم تعره اهتماما بحجة ان النظام غير مأمون الجانب ولا يحترم العهود والمواثيق.

ومن هنا فقد نجح النظام على المستويين السياسي والعسكري أن يفرغ المبادرة من مضمونها، وهو برع في ذلك مراهناً على عامل القوة على الارض، وعجز المجتمع الدولي عن فعل أي شيء أبعد من التهديد وفرض مزيد من العقوبات التي تخنق النظام ولا تقتله. ولعل البعض يقرأ أن وعيا غربيا قائماً بخطوات النظام السوري، وهو يسايره، وان لم يوافق على سلوكه علناً، لأن القرار الغربي يقضي بإصلاح النظام السوري، وليس بإزالته واقامة نظام آخر جديد.

وبعد سنة من تعميد الشارع السوري بالدّم، يعيد النظام المجتمع الدولي والمعارضة مهما شرقت أو غربت الى ساحته بل الى المربع الأول، و«كأنك يا ابو زيد ما غزيت»، في حين ان المعارضة تزداد شرخاً وانقساماً ويوماً بعد يوم تتلاشى قدرتها على التوحد في الرؤى والأهداف. وبين هذا وذاك يبقى مستقبل سورية في مهب الريح!



skype:alloush1975