ظاهرة بارزة في حياة الإنسان منذ بدايتها وحتى بلوغ هذه الأيام
«الظلم» ... طغيان يولد من الاستكبار! ويتخذ من الاستعلاء على الآخرين وسيلة لاحتكار حقوقهم
1 يناير 1970
07:09 ص
| إعداد: عبدالله متولي |
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: «قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره».
لقد تفشت اليوم صور ظلم العمال والأجراء والخدم، تفشت هذه الصور وعظمت، وبانت.. حينما نُزعت الرحمة من قلوب البعض، وهانت عرى إسلامهم، وتمزقت خيوط إنسانيتهم، وغابت ضمائرهم، فعاملوا العمال الأجراء شر معاملة، واستعملوهم أشد استعمال، وجازوهم أبشع جزاء.
هل سمعتم بأظلم ممن لم يعط العمال رواتب سنة أو سنتين؟! وهل أتاكم خبر بخس الأجور؟! وهل رأيتم سوء حياتهم ومعاشهم؟!
فمن صور ظلم العمال الشائعة، بخسُهم حقوقَهم ورواتبَهم، نحن لا ننكر وجود طائفة في العمال ضعيفة الدين والأمانة، لكن الأصل أن يعطى المكفول أو العامل حقّه بموجب العقد والشرط، ولا تبخس الأجور ولا تؤخّر، وقد صحّ عنه (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عَرقُه»
فيا قبح من استأجر أجيرا وأكل جهده ولم يعطه حقه. أيعلم هذا الظالم من يخاصم؟! إنه لا يخاصم العامل ولا المؤسسة ولا الوزارة، إنه يخاصم الله عز وجل، والله تعالى يرى هذا المظلوم ولو كان فاجرًا يرفع يديه إلى السماء، فيعظم دعوته ويقول: لأنصرنك ولو بعد حين.
ومن صور ظلم العمال إتعابهم في العمل، وتحميلهم فوق طاقتهم، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يكلَّف العامل فوق طاقته، فلا يطلب منه ما يعجز عنه أو يتعبه، روى مسلم في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلَّف من العمل ما لا يطيق».
- ومن صور ظلم العمال تغيير عقود العمل، وتحصيل الفيز والتأشيرات وبيعها على العمال بمبالغ باهظة، لا يستطيعها الموظف فضلاً عن عامل فقير غريب، وهذا يحصل لبعض المتنفذين وأصحاب الوساطات، الذين لا يأكلون في بطونهم إلا النار «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ».
ومن صور ظلمهم التسلط عليهم واحتقارهم وسبهم وشتمهم، بل ضربهم في بعض الأحيان دون مخافة الله.
روى مسلم في صحيحه عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي: «اعلم أبا مسعود»، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، وفي رواية: فسقط السوط من يدي هيبة له، وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حرٌ لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النار» أو: «لمستك النار».
مَن للعمال الذين سرقت أموالهم؟!.. ومن للمساكين الذين بخست حقوقهم؟!... ومن للضعفة الذين أهينت كرامتهم؟!.. من لحسرات العمال وزفراتهم بسبب تأخر الرواتب!
ففي حديث أبي ذر، قاعدة عظيمة يرسمها نبي الرحمة(عليه الصلاة والسلام ) في التعامل مع الأجراء، فقد روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي (عليه الصلاة والسلام) قال: «إخوانكم خَوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم».
الظلم ظلمات
هذا بالنسبة لظلم العمال والخدم،اما الظلم بشكل عام فهو ظاهرة انتشرت في بعض الناس وقد ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» (رواه مسلم)
والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ظلم الإنسان لربه وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: «وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة:254). ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» (لقمان:13)
النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه
وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: «وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (النحل:33)
النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره
وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.
صور من ظلم الإنسان لغيره
من عباد الله ومخلوقاته:
غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (متفق عليه)
مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «مطل الغني ظلم» (متفق عليه)
منع أجر الأجير: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره» (رواه البخاري).
الحلف كذباً لاغتصاب حقوق العباد:
عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«من اقتطع حق أمرئ مسلم
بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: وإن قضيباً من أراك» (رواه مسلم).
عدم العدل بين الأبناء:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: «نحلني أبي نحلاً فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله، فجاءه ليشهده على صدقتي فقال: «أكل ولدك نحلت مثله» قال: لا، فقال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم»، وقال: «إني لا أشهد على جور»، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة» (متفق عليه).
حبس الحيوانات والطيور
حتى تموت:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار» (رواه البخاري ومسلم). حبستها: أي من دون طعام.
شهادة الزور:
أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال: «الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: «شهادة الزور» (متفق عليه).
وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم... والسرقة ظلم... وأذية المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعريض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفي.
تذكر أيها الظالم
فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء» (ابراهيم: 42، 43). وقوله سبحانه: «أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى» [القيامة:36]. وقوله تعالى»: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» (القلم: 44، 45). وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» (هود: 102)، وقوله تعالى: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (الشعراء: 227).
وتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.
وتذكر أيها الظالم: قوله صلى الله عليه وسلم: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» (رواه مسلم). والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» (رواه البخاري). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار» (رواه مسلم).
ولكن أبشر أيها الظالم:
فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (رواه مسلم) وفي رواية للترمذي «إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
ولكن تقبل التوبة بأربعة شروط:
1 - الإقلاع عن الذنب.
2 - الندم على ما فات.
3 - العزم على ألا يعود.
4 - إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره.
الإصلاح ومواجهة الظلم
ان الاصلاح يمنع من وقوع الهلاك والبوار، باعتباره رجوعاً الى الطريق الصحيح، وانسجاماً مع الحق وطبيعة الخلق، ومن هنا كانت التوبة والاستغفار نوع رجوع للفرد بالتوبة، وللأمة والقرية بالاصلاح والعدل. «فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه».
«وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (هود/117).
والقرآن واضح جداً في بيانه ان الاقلاع عن الظلم، والعودة الى الله للسير في طريق التكامل امر يسير مع مسيرة الكون والحياة، وينسجم مع الفطرة وسنة الله في ذلك هي اضفاء الرحمة وتسديد الافراد والمجتمعات التي تسعى للتخلص من الظلم والاقلاع عنه، او مواجهته.
فعملية المواجهة الذاتية كأفراد، او المواجهة لارادة الظلم في المجتمع، أياً كان هذا الظالم، هي علامة خير وصحة تؤهل لنزول الرحمة الخاصة، ليعيش الفرد فرصة أخرى مباركة محفوفة بالحب والعناية الالهية، «ان الله يحب التوابين».
وكذلك يكون المجتمع والدولة التي تعيش مساعي الاصلاح واعادة البناء والسير نحو الحق والعدل مؤهلة لأن تشملها العناية الالهية الخاصة في النمور والعطاء،
«بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ» (سبأ/ 15)
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» (الاعراف/ 96).
«وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (هود/ 117).
الظلم أساس الثورات
إن ظاهرة الاستخدام والاستخدام المتبادل، في المجتمع الانساني، تمثل حالةً نفسية تمتد جذورها الى الأنا وغريزة الانانية، وهي في الاحوال الصحية والطبيعية، ضرورية في اقامة حياة الناس، ونافعة لهم.
وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (الزخرف/ 32)
وفي احيان كثيرة يطرأ على تلك الظاهرة الانحراف، فيتحول الاستخدام لذلك الى استغلال، ثم الى طغيان، عندما يتمكن الظالم من استغلال الاخرين.
وهذا الطغيان يولد من الاستكبار، وينشأ من الاستعلاء على الآخرين، لتبرز لنا ظاهرة الظلم، وما يستلزمه من استبداد واحتكار لحقوق الآخرين، «قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (الاعراف/ 12) وحالة الاستغلال والطغيان سوف تؤدي عندما تتحول الى ظاهرة عامة حاكمة في المجتمع الى وجود اناس مظلومين، قد سلبت مصالحهم، وانتهكت حقوقهم.
وسوف تولد، تبعاً لذلك، في هذا المجتمع المظلوم بسبب الاستبداد، مشاعر الغضب والانتقام والثأر من الظالم المستغل المستبد.
وتنتظر هذه المشاعر الغاضبة في الامة الى الصاعق الشجاع المعبر عن هذا الغضب، ليجتمع الناس حوله وليسندوه، وهم المصلحون والانبياء.
وذلك هو منشأ الثورات على مر التاريخ لتصحيح الواقع الخاطئ المتمثل بالظلم وتجاوز الحقوق، ولتغيير ذلك باتجاه تحقيق العدل ومنع الاستغلال وكسر شوكة الظالم وطغيانه.
ففي كل الثورات نجد قطبي المواجهة: المستضعف والمستكبر.
مُستضْعَفُون ومُستَكْبِروُن
ان علاقة الاستخدام التي جعلها الله سنةً لاستمرار الحياة ودوام المجتمعات كأمر فطري، قد تحوّلت على ايدي من حباهم الله القدرة والتمكين الى علاقة مستغِل ومستغَل، وظالم ومظلوم، ومستكبر ومستضعف.
فقد صور لنا القرآن طبيعة التبعية في العلاقة بين المستكبر والمستضعف، وبين الظالم واتباعه، ثم صوّر لنا كيف ينقلب اتباع الظلمة على رؤسائهم، وكيف تُرفع عنهم هالة السلطة والقدرة يوم الحضور بين يدي الجبار، حيث لا حاكم ولا محكوم، في يوم الحق والفصل، فيتبرأ كل واحد من صاحبه.
قال تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (سبأ/ 31-33)
قال تعالى: «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا» (الاحزاب/ 66-68)
قال تعالى: «قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ» (الاعراف/ 38-39)
دعوة المظلوم تخترق الحجب
ورد في الحديث ان أبواب السماء مفتحة لدعوة المظلومين، وان كلمة «آه» ودعوات المظلومين تخترق الحجب، ولا يقف أمامها شيء، وهذا التصوير الغيبـي لحالة المظلوم الرافض للظلم، والساعي للعدل، يكشف لنا عن ان الكون كله مع المظلوم، ولذلك عليه أن يثق بالنصر، وبأن مآل الامور سيكون لصالحه، والعاقبة للمتقين.
ان دعوات المظلومين بحق الظلمة باتت معروفة ويقينية وواضحة، وهذا كاشف عن ان سنة الاصلاح وتجاوز الظلمة والظلم هي سنة الحياة حتى يقام العدل على كل الأرض.
قال تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (آل عمران/ 135)
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً» (النساء/168)
قال تعالى: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ» (الأعراف/ 162)
قال تعالى: «ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» (الأعراف/ 103)
وعن عبدالله بن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعث مُعاذاً الى اليمن، فقال اتّق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.(5) (5- الأدب النبوي/ 60).