| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
ليست الشهادات العلمية والرسمية دليل وعي إذا لم يصحبْها أفق علمي قابل للاستقراء والتحليل والاستنتاج، وعدم الإذعان والانقياد لمسلّمات بشرية صاغتها عقول لا تفوق في حجمها وتركيبها على ما تمتلكه بقية البشر، وهذا هو ما يتفق مع رواء المنهج الإسلامي الذي قرر ثوابت محدودة.
الرفض فاتحة الاختلاف، فقادنا رفض التغيير إلى معضلات معرفية وتقنية ومجتمعية، وأدى امتدادها إلى تجاهل حقوق المرأة، ومنها إلى انتقاص تلك الحقوق، وهناك قواعد سلوك خاصة بجماعة أو طائفة أو أو... التي ينقلها الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل، وتتوارثها الأجيال لابد من تصحيحها أو القضاء عليها، ولن يتم ذلك إلا بالتغيير الإيجابي لهذه الموروثات الجاهلية.
نحن لا ننكر وجود مجموعة من القيم المألوفة لدى بعض المجتمعات، صيغت وفق مفاهيم غامضة، مع وجود عوامل مؤثرة على تلك المجتمعات جعلتها تستسلم للواقع دون أن تنطلق للمستقبل، واستسلمت لتلك القيم المذمومة وصنعت منها أفكاراً ومفاهيم ومبادئ وبدأت ببلورتها وترجمتها على أرض الواقع لتكون قواعد لسلوكيات منحرفة تمارس ضد المرأة.
لقد أثبتت بعض الدراسات أن كثيرات من النساء اللاتي يتعرضن للعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي، من الرجال الذين يقاومون التغيير لمصلحتهم الشخصية، أو لسوء الفهم والتفاهم لوجود إشكالات في التواصل مع المرأة، والإحساس بعدم الأمان كاضطراب نفسي، والحرص على الاستقرار الذي قد يبعثر التغيير، والمعارضة المجردة هي من تقتل الأمل في التغيير.
إما أن يتعامل الناس مع التغيير باستجابة مطلقة من دون ضوابط وحدود، وإما رفض مطلق أو محاولة التعايش دون التطبيق، من هذه المنطلقات انطلقت حملة مشروع إنسان التي تقيمها «الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان» تحت شعار «افهمها... قدرها... تكسبها...» إن أردنا أن نعيش في مجتمع خالٍ من العنف فلابد أن تكون المسؤولية مشتركة في التغيير الإيجابي للعيش بأمان واستقرار.
للعنف الموجه للمرأة سواء كانت أما أو زوجة أو ابنة أو طالبة أو موظفة أو أستاذة أسباب عدة، منها بل وأهمها الجهل بحقوق المرأة واحتياجاتها أو تجاهلها كما أوصى بها الشارع الحكيم، وكثير منا من يسيء استخدام الأحكام الشرعية بتطويعها على الآراء الشخصية، وبعدها يبدأ بمطالبات ما أنزل الله بها من سلطان بحجة أن المرأة لم تنل حقوقها كافة، وهذا كله يرجع للابتعاد عن حقيقة الإسلام وأصوله في ممارسات الحياة اليومية.
يؤسفني جدا أن أدرج من ضمن أسباب العنف الموجه للمرأة عدم إدراك المرأة بحقوقها الشرعية والقانونية فيمارس العنف ضدها لجهلها بحقوقها، وبكون الأسرة أول مؤسسة اجتماعية تنقل خبراتها المختلفة للفرد من خلال عملية التنشئة، فتنقل لهم كل انحرافات في سلوك وتفكير الوالدين، كالحرمان العاطفي إن عاشه الطفل سينشأ عليه ويمارسه على زوجته وأبنائه وأصدقائه وزملائه، وإن تربى أحد الوالدين على العنف الجسدي أو النفسي حتما سيربي أولاده عليه، وتتوارثه الأجيال.
ومن باب المسؤولية المشتركة دشنت جمعية مقومات حقوق الإنسان حملتها في يوم 6/مارس/2012 وإلى الآن مستمرة في فعالياتها للتوعية المجتمعية بحقوق المرأة ومناهضة العنف ضدها، وهذه دعوة من الجمعية لتكاتف الجهود بترسيخ بعض المفاهيم التي تخدم القضية، كمفهوم المرأة شريك أساسي للرجل في صنع متطلبات الحاضر وصياغة المستقبل، وتعزيز ثقافة احترام حقوق المرأة على صعيد الأسرة والمجتمع كعنصر أساسي في احترام حقوق الإنسان، ومن الضروري جدا أن ننسف تلك النظرة الدونية التي عمقتها وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها من خلال استغلال المرأة في الإعلانات والبرامج غير الهادفة،كوسيلة لجذب المشاهدين، فنرجو من كل فرد من أفراد المجتمع الكويتي أن يعمل من موقعه لمواجهة ومناهضة العنف ضد المرأة.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib