| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
إن كنت عبقري الفؤاد، متسع الأفق، شخصا فاعلا، متوازنا في كل جانب من جوانب حياتك، معتدا بذاتك، تمتلك منظومة ثقافية كاملة تجعل خطاك في المسار الصحيح، متمسكا بالأهداف المشتركة التي تربطك بالآخرين من أفراد مجتمعك، حريصا على الكيان الكلي للمجتمع، لديك ممانعة تقيك الغزو الفكري والثقافي الذي تتعرض له الأمم من خلال العولمة، فيحق لك أن تنبهر بالصنعة والمُصّنع.
للانبهار وجهان، وجه إيجابي، ووجه سلبي، سنحض في مقالنا هذا على الانبهار المحمود الممدوح، ونحذر من ذلك الوجه الذي يجعلك تنبهر، فتذوب وتنصهر في الآخرين، وتتعطل لديك مَلَكات النقد والفرز والفلاتر والتصفية، فتفقد شخصيتك وتستسلم، فتندثر وتصبح لا شيء، من الطبيعي أن ينبهر الإنسان بما هو يبهر، وإن لم ينجذب لما هو مبهر فهو بليد المشاعر، لا يمتلك حس الطموح والارتقاء بشخصيته وذاته.
هناك جوانب مقبولة في الانبهار، منها ما يجعلك تقدر وتحترم الصانع على ما فعل، كما يشعرك بأهمية الآخر لأنه أضاف شيئا للكون، أيا كان هذا الآخر وبغض النظر عن جنسه، الانبهار يولد لديك الشعور بالدور التكاملي للإنسان، فعندما يقدم الفرد إبهارا طبيا أو عمرانيا أو إداريا،فهذا الاختلاف في الإبهارات المختلفة يؤدي إلى التكامل إما في الزمن الآني أو على امتداد الزمان المقبل.
ومن فوائد الانبهار أنه يعلمنا أهمية المحاولة والخطأ والتجارب في ميادين الحياة المختلفة، وتطرد عنا اليأس والتكاسل، كذلك الانبهار يفتح لنا آفاق الحلم، ونحن نرى اليوم من تكنولوجيا الاتصالات، وزراعة فوق الماء، وغيرها من انبهارات تجعلنا نعيش في عالم الممكنات التي نريد أن نطورها وفق سنّة الله سبحانه وتعالى في تسخير الكون للإنسان بتعريفه بمبدأ السببية ولخصائص الأشياء، الانبهار الإيجابي يولد لديك الهوية الواقية.
هناك جوانب مرفوضة في الانبهار لأنها تعطل الذهن من الالتفات للتاريخ وتجعلك تحتقر ذاتك وعطاءاتك وانجازاتك، وتنكفئ على عطاءات الآخر، التي أنت منبهر به فتحتقر ذاتك، وتعمى عن الرؤية النقدية، إن الانبهار السلبي أو المذموم يجعلنا لا نبحث لأننا احتقرنا ذواتنا، ويشعرنا بالعجز، أي أننا لا نستطيع ولا نملك المقومات والمعلومات التي تجعل الآخر ينبهر فينا، كما يشعرك بالدونية وفقدان الأنا، وعدم الإحساس بالأناقة وأنك متألق وأنيق حضاريا، ويشعرك بأنك بدرجة أقل من الآخر، فتقبل أن تعيش درجة ثانية وثالثة.
إن من جوانب الانبهار الذميم ذلك الانفصال القيمي والروحي أي الارتباط المادي الذي يعيشه الإنسان، فيعيش بمعزل عن الجانب الروحي فقط عقله محصور في الماديات بحجة أن الجانب الروحي يفقدني التوازن، وخطورة الانبهار السلبي تقع في عدم التفريق بين معتقد الشخص وانجازاته، فيقلده الآخر في أخطائه وانحرافاته، يقلده في كل شيء لأنه مبهور بعطاءاته، ولأن المنبهر يرى نهايات الأشياء ولا يرى البدايات والنجاحات والتألق في الانجازات، حتما لم تأتِ هذه النجاحات بيوم وليلة، كم حصل من إخفاقات للمنبهر به وتعثرات وربما أحيانا نكوس ورجعة عن أن يكمل مسيرته، لذا فإن المنبهر يرى النتائج والنجاحات ولا يرى التجارب التي أهم من النجاحات الكلية والإخفاقات التي يستفيد منها.
من خلال مقالي هذا أدعوك للانبهار الإيجابي الممتدح حتى لا تفقد توازنك الاجتماعي، من سلبيات المنبهر به ولا تحتقر ذاتك وتمتثل لغيرك وتعطيه قداسة لا يستحقها، فالخيار لك متروك،إما أن تكون منبهرا إيجابيا، ومنبهرا به فعّالاً، فيحق لك هنا أن تنبهر بالآخر، أو تكون العكس فتفقد نفسك وهويتك الذاتية.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib