| فهد حمود الحيص |
ابن زريق البغدادي أبو الحسن علي «أبو عبد الله» بن زريق الكاتب البغدادي. صاحب عينية أو يتيمة أو فراقية ابن زريق والتي أسماها قمرا في بغداد أبى التاريخ إلا أن لايذكر انا سواها و هي من عيون الشعر، شاعر فارق الأهل و الأوطان سافر بجوارحه وأركانه إلى المغرب وترك روحه ووجدانه في المشرق... فارق النوم جفونه وخابت فيمن كان يرجو ظنونه، تلاشت آماله وأحلامه وزادت همومه وأسقامه، ذُكر في كتاب مصارع العشاق... أنه قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه، فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره، فأعطاه شيئاً نزراً، فقال البغدادي: إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكت البراري والبحار والمهامة والقفار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر؟ فانكسرت إليه نفسه واعتل فمات. وشغل عنه الأندلسي أياماً، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتاً، وعند رأسه رقعة مكتوب فيها قصيدة طويلة مطلعها:
لا تعذليه فإن العذل يولعه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حداً أضر به
من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً
من عذله فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعاً بالخطب يحمله
فضلعت من خطوب الدهر أضلعه
يكفيه من لوعة التفنيد أن له
من النوى كل يوم ما يروعه
إلى أن قال:
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه
وإن تنل أحداً منا منيته
فما الذي بقضاء الله يصنعه
فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى اخضلت لحيته، وقال: وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي. وكان في رقعة الرجل: منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحمل إليهم خمسة آلاف...
* مهندس وكاتب
[email protected]