منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / ثورة مزاج ... !

1 يناير 1970 10:14 م
| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |

لا أحد ينكر الجانب العاطفي للإنسان، ولا أحد ينكر حقه في نوع من الرفاهية الشعورية التي يصنعها بمزاجه ومشاعر المتعة واللذة، وهو شيء مطلوب بكونه جزءاً من استقرار الإنسان وتوازنه العام، ولكن يقع المشكل في التركيز المبالغ على صناعة المزاج ومشاعر المتعة واللذة، لأن المبالغة والمغالاة في صناعة المزاج قد تتحول إلى تيار يجرف الإنسان إلى أعماق المتع المشروعة وغير المشروعة، وصناعة الأمزجة تحدث تغييرات كبيرة في حياة كثير من الناس إما سلبا أو إيجابا.

إن ثورة مزاج الإنسان على نفسه وعلى من حوله في المجتمع أشد وطأة من ثورة الشعوب على الحكام والأنظمة، وهذه الثورة أشبه بفوهة بركان حين تنفجر فهي لا تحرق صاحبها فقط بل تتعدى إلى كل من يقف في طريقها، وبهذه الثورة قد يتنازل عن كثير من قناعاته ومبادئه، وقد يخسر بعض من حوله، وقد تتحول هذه الأمزجة إلى أداة تحرك صاحبها يمنة ويسرة من دون بوصلة وقناة استشعار بالصواب من الخطأ، وما يهم صاحب المزاج هو إشباع حاجته من الجانب العاطفي وإن تغاير هذا الإشباع مع ما يؤمن به، وإن تعارض هذا الإشباع مع مصالح الآخرين وأدى للضرر بهم.

إن صاحب المزاجية تراه كثير الشكوى من النقص المستمر في حياته، ودائما يبحث عما يسد نقصه باستهلاك ما لديه من مشاعر واتجاهات وسلوكيات التي يعتقد أحيانا بأنها هي مكونات تساعده على صناعة الرفاهة الشعورية، ويتفاعل مع أي حدث أو موقف يراه أو يسمعه أو يعيشه، ومن خلال هذه المعطيات التي يتناولها لسد نقصه، يضع معايير تتوافق وتنسجم مع مزاجه ومشاعر المتعة واللذة، ويبدأ بالتعامل مع غيره من خلال هذه المعايير التي مصدرها وعمادها الرفاهية الشعورية التي صنعها بمزاجه،وإن أدت إلى فقد أحبابه وأصدقائه.

والطامة الكبرى عندما يكون المزاج معيار الإنسان في علاقات العمل، فيعمل بمزاجية وانتقائية، وهو يتلذذ ويستمتع ويملأ عوزه بسلوكياته وتصرفاته اللامسؤولة مع الآخرين من دون اكتراث بمشاعرهم ومراعاة لجانبهم العاطفي وحاجتهم للرفاهية الشعورية مثلما هو يحتاج لها، فتراه يوما يتعامل برقي وخلق رفيع، ويوما آخر بسوء خلق وتجريح الآخرين وتجاهلهم، وأحيانا قطع العلاقات قبل أن ينتهي العمل المشترك ما بينهم، ويجعل الآخر في ورطة وحيرة من أمره.

هناك عقلان، عقل الواقع وعقل الخيال، فهما يتفقان في جزئية صناعة الرفاهية الشعورية لتحقيق الاستقرار والثبات والتوازن في حياة الإنسان، سواء كنت تعيش واقعا أم خيالا، فاجعل منهما صمام أمان لتتحكم بمزاجك ومشاعرك أياً كان، واجعل من عقلك مصفاة تمر من خلالها المشاعر، وغربلها إلى أن تُكون عصارة مفيدة من المشاعر العقلانية المتزنة التي تكسبك ولا تخسرك الآخرين، وغيّر من عاداتك اليومية، وصحح بعض الثقافات الخاطئة التي تحملها من موروثات جاهلية، واثبت على مبدأ حب لأخيك ما تحب لنفسك، عندها حتما سيتحقق ويستوثق التوازن النفسي والاستقرار العام لحياتك وتتخلص من ثورة مزاجك.



[email protected]

twitter: @mona_alwohaib