مها بدر الدين / الإصرار الروسي والتورّط الصيني في الأزمة السورية

1 يناير 1970 06:56 ص
| مها بدر الدين |

مرة أخرى وليست الأخيرة، تقف روسيا بإصرار إجرامي وعناد هسيتيري ضد مشيئة الشعب السوري في السير قدماً نحو التغيير والارتقاء إلى مصاف الدول الحرة والديموقراطية، فترفض ثانية قراراً يدين أخلاقيات النظام السوري الساقط في بحور من الرذيلة والكفر والإجرام الذي تعدى حدود الشر والجبروت المألوفة، معطية الفرصة لحليفها السوري لاستكمال مشروعه الاستبدادي القاضي بوأد الثورة السوري في مهدها وإبادة الثائرين في محاولة يائسة لإعادة السيطرة على الأراضي السورية المتمردة على مدنسيها.

فقد شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة سقوطاً روسياً إنسانياً مدوياً أمام أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة من الدول التي انتصرت لحق الشعب السوري في تقرير مصيره وتحديد مستقبله ورفضه للحكم القمعي برئاسة بشار الأسد الذي تمادى في انتهاكه الصريح لحقوق الإنسان الأساسية التي أقرتها الديانات السماوية ونصت عليها جميع المواثيق والأعراف الدولية المختصة بهذا الشأن، مبدياً في هذا تحدياً وقحاً للمجتمع الدولي وقوانينه التي نظمت علاقة السلطة بالشعب ضمن حدود سياسية وإنسانية تجاوزتها الآلة العسكرية الأسدية بسرعة قصوى كسرت خلالها جميع الإشارات الحمراء التي تنظم هذه العلاقة التي تحولت على الأراضي السورية إلى علاقة دموية بين النظام المتسلط والشعب المتسلط عليه.

ويبدو أن روسيا قد حاولت خلال الأيام السابقة لانعقاد الجمعية العامة أن تعرض موقفها المتغطرس للبيع في الأسواق العربية بعد أن استجلت إصرار الجامعة العربية على تقديم مبادرتها كحل وحيد وسلمي للأزمة السورية، واستشعرت توجه الدول العظمى المؤكد نحو إيجاد حل ناجع ينهي معاناة الشعب السوري، فعملت على فتح قنوات اتصال مع دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها الأكثر تحمساً لإنهاء الأزمة السورية لصالح الشعب السوري من جهة والدول الأكثر غنىً اقتصادياً ووفراً مالياً من جهة أخرى، لعلها تثمن الموقف الروسي وتعطيه حق قدره المادي فتشتريه لتستميل روسيا من معسكر الأسد الخائر إلى معسكر الشعب الثائر.

ورغم بعض التصريحات الاقتصادية الخليجية هنا وهناك عن تحسن العلاقات الاقتصادية مع الجانب الروسي والصيني بما يوحي باستعداد الخليج لشراء موقفي الدولتين صاحبتي الفيتو اللعين، إلا أنه يبدو أن رفضهما للقرار الأخير في الجمعية العامة يدل على عدم تناسب العرض الخليجي مع الطلب الروسي، ويبدو أن روسيا تراهن في تفاوضاتها الاقتصادية الإعجازية مع الطرف الخليجي على التصعيد العسكري والدموي في الشارع السوري الذي يدفع وحده تكلفة عدم التفاهم المادي بين روسيا والخليج على ثمن الموقف الروسي الذي يصر على تسويق نفسه على أنه ماسك الخيط الرئيس في الأزمة السورية.

هذه الإصرار الروسي ذو الأساس الاقتصادي ورط معه التنين الصيني الشهي لغزو الأسواق العربية وخاصة الخليجية منها، فالصين دولة صناعية بالدرجة الأولى ولا يربطها مع النظام السوري تلك المصالح السياسية القوية التي يمكن أن تدفعها إلى استخدام حق النقض في مجلس الأمن إلا أذا قدمت لها وجبة سورية دسمة بنكهة روسية تفتح شهيتها الاقتصادية لتحقيق حلمها بالسيطرة على الأسواق العالمية وإغراقها ببضائعها المختلفة، لكنها لم تنتبه إلى أن حساباتها الاقتصادية لم تتطابق مع تصاعد الأحداث على الساحة السورية فوجدت نفسها تقف في المحافل الدولية مع معسكر الدول المؤزمة التي تغامر بمكانتها الدولية وعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع المجتمع الدولي في سبيل صفقة سياسية خاسرة يتجه حسم نتيجتها نحو إرادة الشعب السوري المتمسك بحقه في تقرير مصيره وحصوله على الحرية والتحرر من أغلال النظام السوري الفاسد.

ولم يفطن التنين الصيني إلى أن تورطه بدماء السوريين المسالمين سيفقده الكثير من قوته الاقتصادية في الأسواق العربية خاصة الخليجية منها تسعى كل الدول الصناعية لغزوها لما تسجله من درجات كبيرة في مقاييس الاستهلاك العالمي في المجالات كافة، فالأسواق الخليجية تملك قوة شرائية عالية تمكنها من استبدال الصناعات الصينية في أسواقها بصناعات أخرى بمنتهى السهولة والسلاسة، بل أنها يمكن أن تؤثر على الاقتصاد الصيني نفسه لو لعبت على أحبال النفط والطاقة التي تستورد الصين أكثر من 55 في المئة من احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي.

لقد حقق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم العناد الروسي والغباء الصيني دفعاً معنوياً للشعب السوري لاستكمال مسيرته في العمل على التخلص من حكم الأسد وعصابته وإسقاط النظام الحالي لإقامة دولة ديموقراطية حديثة يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة عجاف كان آخرها إحراق الأرض السورية بأخضرها ويابسها، كما أعطى هذا القرار الفرصة للمجتمع الدولي مرة أخرى للعودة إلى مجلس الأمن في محاولة لإيجاد حل يكفل إنقاذ الشعب السوري من براثن الأسد القاتل بعد أن استشرى إجرامه على الأرض السورية وحان الوقت لاستئصاله من جذوره، ورغم عدم إلزامية هذا القرار إلا أنه يعتبر مسماراً جديداً يدق في نعش النظام الذي كثرت فيه المسامير وبانتظار المسمار الحاسم لإيداعه في مثواه الأخير بعد أن فقد منذ زمن شرعيته السياسية وانتهت صلاحيته الأخلاقية.

فهل يعيد الدب الروسي والتنين الصيني النظر في موقفهما من القضية السورية والنية تتجه للعودة إلى مجلس الأمن، فتمتنعان عن استخدام حق النقض بعد أن اتضح اتفاق المجتمع الدولي على نبذ استبداد النظام السوري؟ أم أن تعنتهما سيدفع المجتمع الدولي للانقسام حول نفسه والوقوف موقف العاجز أمام هذا الإصرار غير المنطقي وترك الحل السوري بأيد السوريين مهما كانت النتائج؟.