مشاهد / مشروعات مؤجلة
1 يناير 1970
06:10 م
| يوسف القعيد |
طلب منير راضي من الدكتور يحيى عزمي تحويل رواية: «يحدث في مصر الآن» لمشروع فيلم. وقد كتب لها سيناريو وحوار. ثم تطوع خيري بشارة بكتابة سيناريو للرواية نفسها. وهمس المحيطون بمنير راضي له. بأن خيري يحاول إلباس منير زيه الخاص. وأنه كتب الفيلم الذي يمكن أن يخرجه هو، وهكذا كتب بشير الديك السيناريو الثالث، وقد قال بشير في جلسة العمل الأولى. إن الرواية تنقصها الكوميديا والغناء. ليتم التقليل من التجهم والكآبة بها.
استبدل منير راضي عنوان الرواية: «يحدث في مصر الآن». بعنوان: زيارة السيد الرئيس. وقد جرى لبس بين الفيلم وفيلم آخر عنوانه: «موعد مع الرئيس». عرض في وقت متقارب معه. وكنت ومازلت منحازا لعنواني. أيضا رضخ لشرط الرقابة بعدم ظهور الرئيسين السادات ونيكسون في الفيلم. وهذا دفعه لأن يأتي بمن يقلد نيكسون، ومن يقلد السادات من أهالي القرية. كما أن منير راضي رفض الاستعانة بأغنية أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام. «شرفت يا نيكسون بابا، يا بتاع الووتر جيت» ويبدو أن هناك من قال له إن استخدم هذه الأغنية سيجعل الشيوعيين يركبون فيلمه.
أما رواية: «الحرب في بر مصر». فقد أنتجها المنتج الفلسطيني حسين القلا. وقبل ذهابي للقائه قال لي محمود سعد: إن هذا الرجل قرر أن يصبح منتجا سينمائيا. حتى ينتج «الحرب في بر مصر»، من شدة إعجابه بالرواية. ولم يكن حسين القلا يعتبر أنه ينتج فيلما بقدر ما كان يتصرف كأنه يقوم برسالة. وقد سعدت كثيرا عندما أبلغوني أن محسن زايد سيكتب السيناريو والحوار. فهو أفضل من حول النص الأدبي إلى رؤيا سينمائية وتلفزيونية. وتلك شهادة نجيب محفوظ عنه. كان يشعر بالاطمئنان التام عندما يعرف أن محسن زايد هو الذي سيحول عمله إلى دراما سينمائية أو تليفزيونية. وكم كان أسفه كبيرا. عندما توفي محسن زايد. اعتبر أن الأدباء خسروا جسرا حقيقيا بينهم وبين الشاشة الكبيرة أو الصغيرة. خصوصا أن محسن مات قبل إكمال مسلسلين كان قد بدأ كتابتهما على شكل أجزاء، عن روايات نجيب محفوظ: بين القصرين والحرافيش وحديث الصباح والمساء. فضلا عن أن محسن زايد ابن جيلي وقريب مني فكريا وسياسيا.
من البداية كان صلاح أبو سيف مصرا على تغيير عنوان الفيلم من «الحرب في بر مصر» إلى: المواطن مصري. كل مجموعة العمل كانت في جانب الإبقاء على عنوان الرواية عنوانا للفيلم. ولكن صلاح أبو سيف كان في جانب العنوان الذي اختاره لفيلم: «المواطن مصري». وعندما واجهته بذلك. قال لي إن الفيلم مسؤولية المخرج، كما أنه لابد من التفرقة بين ديمقراطية المناقشة وديكتاتورية القرار.
عندما أبلغني صناع الفيلم برغبتهم في السفر إلى باريس. لعرض بطولة الفيلم على عمر الشريف... توجست شرا. وبالفعل فإن بطولة عمر الشريف للفيلم وقيامه بدور العمدة أدى إلى تغييرات جوهرية فرقت بين الرواية والفيلم. روايتي بطلها مصري الذي حارب في أكتوبر ولو باسم ابن العمدة. في حين أن الفيلم بطله العمدة. كذلك فإن مشهد الحرب قد تراجع، ليسبقه مشهد عودة الإقطاع للريف المصري في أوائل سبعينات القرن الماضي، وكان عمر الشريف «داهية» في طريقته للوصول إلى ما يريده. عندما أتى من باريس وطلب عدد المشاهد التي سيمثلها، وهل هي أكثر المشاهد عددا في الفيلم أم لا؟!
عندما عرف عمر الشريف أن عدد مشاهد عزت العلايلي وعبد الله محمود أكثر من مشاهده. بدأت عملية التعديل التي امتدت من عدد المشاهد إلى جوهر العمل الفني. أنا من المؤمنين أن الفيلم يجب ألا يكون نسخة طبق الأصل من الرواية. اختلاف الشكل الفني والأدوات المستخدمة يؤدي لاختلاف التناول. لكن بشرط ألا يتم الاقتراب من القضية الجوهرية التي تدور حولها الرواية. بالنسبة لـ... «يحدث في مصر الآن». كتبت روايتي لأقول إن زيارة نيكسون لمصر والتي جرت في يونيو 1974 خرج منها الزمن الأميركي كله. وهي الفكرة التي كتبها الدكتور فؤاد زكريا في مقال بمجلة روزاليوسف في ذلك الوقت. وبالرغم من التغييرات التي أدخلها بشير الديك ومنير راضي على رواية: «يحدث في مصر الآن» لتصبح فيلم: زيارة السيد الرئيس. ظل المعنى موجودا.
في الحرب في بر مصر. كان هدفي أن أقول إن حرب أكتوبر العظيمة أبدعها فقراء الشعب المصري. وحاول أغنياؤه جعلها مشروعا استثماريا. وبالرغم من الحذف والإضافة والمط والتطويل، إلا أن المعنى الجوهري ظل في الفيلم. برغم كل التغييرات التي حاول عمر الشريف أن يدخلها على الفيلم.
لي رواية ثالثة جرى تحويلها لفيلم تلفزيوني. هي: البيات الشتوي. أخرجه الدكتور هشام أبو النصر. وقامت ببطولته الفنانة صابرين. وكتب له السيناريو والحوار سيناريست تفرغ في السنوات الثلاث الأخيرة من عمره للهجوم عليّ، إرضاء لمسؤول ما. لكن هذه القصة لا تعنيني كثيرا، لا أعتبر أن البيات الشتوي الرواية التي تتحدث عن حلم ظهور البترول في دلتا نهر النيل في مصر. قد حولت إلى عمل فني حتى الآن.
لكن تبقى بعض المشروعات التي لم تكتمل. إنها المشروعات السينمائية الناقصة بالنسبة لرواياتي. فمنذ أعوام اتصل بي المرحوم عبد الحيّ أديب. وأبلغني أنه قرأ روايتي «أيام الجفاف». وقرر تحويلها لفيلم سينمائي، وبعد أسبوع من الاتصال جمعني بمخرج سينمائي هو علاء محجوب. وتم التعاقد وانتهى عبد الحي أديب خلال شهور من كتابة السيناريو، لكن الموضوع تعثر. سمعت أنه عُرض على نور الشريف واعتذر.
ونفس الرواية أيام الجفاف قرأت في الصحف أن المخرج هاني لاشين يفكر في تحويلها لفيلم سينمائي. ولم يتقدم الأمر عن ذلك خطوة واحدة. أيضا أرسل لي المخرج وائل إحسان أنه يريد تحويل أيام الجفاف لفيلم سينمائي، وإن كنت لا أعتقد أن صلته بالنجوم الجدد في السينما المصرية قد تمكنه من إنجاز مشروعي، لقد دخل النجوم الجدد أبطال سينمات المولات. السينما المصرية من الباب. ليخرج الأدب الروائي من الشباك في اللحظة نفسها، ولن يعود مرة أخرى. إلا بعد إعادة النظر في صناعة السينما المصرية كلها.
ثم جاءني محمد الشناوي نجل الفنان كمال الشناوي. وزوج ابنة شقيقة عبد الحليم حافظ. راغبا في تحويل رواية: «لبن العصفور» لفيلم سينمائي. ولم يكتمل المشروع. أيضا جاءني المنتج هاني جرجس فوزي والمخرج شريف شعبان وطلبا تحويل رواية: «لبن العصفور» لفيلم سينمائي. وكما جاءا انصرفا. وأنا أعذرهما. فالزمن ليس زمن الرواية التي يمكن أن تصبح فيلما سينمائيا.