تعديل المادة الثانية من الدستور يعزز عمل الفقهاء في التشريع بدل القانونيين

هل يقام الحد في الكويت ... وتقطع يد السارق؟

1 يناير 1970 04:54 م
|إعداد عماد المرزوقي|

هل تقطع «يد السارق»؟، وهل ستغلق البنوك وشركات التأمين بموجب تعديل المادة 2 من الدستور الكويتي؟ لعل ذلك أبرز النتائج التي حذر منها الخبير الدستوري الأستاذ عثمان عبدالملك الذي أعد المسودة الثانية للدستور الكويتي وساهم في تعديل المادة 2 لتصبح «الشريعة مصدر رئيسي للتشريع» وليس المصدر الرئيسي اجتنابا لما قد يترتب عليه التطبيق الكامل لأحكام الشريعة بحذافيرها. ويعود اليوم الطلب بتعديل المادة 2 من الدستور لتصبح الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، فلما هذا الاهتمام الكبير بتعديل هذه المادة ليس في الكويت فحسب بل في عدد من الدول العربية كمصر وتونس وليبيا؟

«المادة الثانية» باتت الأشهر على الاطلاق في دساتير الدول العربية والاسلامية على غرار الكويت حيث يطالب البرلمانيون الاسلاميون خصوصا بتعديلها وآخرون يصرون على الابقاء عليها مثل مصر. وفي الكويت، تنص المادة 2 من الدستور على أن «دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، ويأتي مشروع التعديل الذي يطلب به النواب «المعارضة» (كتلة العمل الشعبي) الاسلاميون ليضيف «الجزم» الى نص المادة وتصبح (الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع). لكن ما هو الفرق، بالتأكيد على «الـ» أي الجزم؟ وهل هناك تناغم بين ما طالبت به الحركات الاسلامية التي صعدت الى السلطة في دول عربية وبين ما يطالب به نواب الغالبية في الكويت؟ وهل أن مطلب تعديل المادة الثانية من الدستور يعد أمرا مستجدا أم هو مطلب قديما؟ ولماذا الاصرار على المادة 2؟ وهل سيرتب تعديلها ورشة تعديلات أخرى على القوانين التي يراها الاسلاميون أنها بعد تعديل المادة 2 يجب أن تكون مطابقة للشريعة؟ وهل تطبيق الشريعة يتطلب فعلا تعديل الدستور؟!



المادة 2

أتى الخبير القانوني الأستاذ محسن حافظ رحمه الله بمسودة اولى للدستور نصت على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، لم يبقَ كثيرا مشروع هذه المادة بهذا النص فتم طرح نسخة ثانية من قبل الخبير الدستوري الأستاذ عثمان عبدالملك الذي عدل في مسودة الدستور على المادة 2 بحيث أصبحت تنص على ان الاسلام دين الدولة، وألغى بقية نص المادة المقترح، وهذا ما اعترض عليه المرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو لجنة اعداد الدستور الذي أصر على أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وقد بين عبد الملك اعتراضه على النص الذي يتمسك به العبد الرزاق متسائلا ان كان يقبل باغلاق البنوك وشركات التأمين، وان كان يقبل بقطع ايادي الناس.

وأوضح الخبير الدستوري للمجلس آنذاك: «اذا قلنا الشريعة مصدر رئيسي فاننا نكون قد أعطينا الشريعة مكان الصدارة دون احراج المشرّع، بل حمّلناه أمانة التوفيق بين هذا الأصل وضرورات الحياة الملحة... وأما اذا قلنا انّ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي فاننا نضيف التزاما قد يحرج المشرّع مستقبلا ويمنعه من قوانين لازمة وان كانت لا تتمثّل في الشريعة الاسلامي»...

الفريقان توصلا الى صيغة وسط، فتبين من النص بأنه شكلي لا تأثير حقيقيا له، فأصبحت الشريعة مصدرا رئيسيا من مصادر التشريع، وبقي الاختلاف بين هذا النص وبين ما ان كان الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، فالأولى تسمح بتعدد المصادر والثانية تحصر التشريع بمصدر وحيد.

لا تقف المادة 2 من الدستور الكويتي عند حد النص على أن - دين الدولة الاسلام - بل نصت كذلك على ان الشريعة الاسلامية - بمعنى الفقه الاسلامي- مصدر رئيسي للتشريع، وفي وضع النص بهذه الصيغة توجيه للمشرع وجهة اسلامية اساسية دون منعه من استحداث احكام من مصادر اخرى في امور لم يضع الفقه الاسلامي حكما لها، او يكون من المستحسن تطوير الأحكام في شأنها تماشيا مع ضرورات التطور الطبيعي على مر الزمن، بل ان في النص ما يسمح مثلا بالأخذ بالقوانين الجزائية الحديثة مع وجود الحدود في الشريعة الاسلامية، وكل ذلك ما كان ليستقيم لو قيل «الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع»، اذ مقتضى هذا النص عدم جواز الأخذ عن مصدر آخر في أي أمر واجهته الشريعة بحكم مما قد يوقع المشرع في حرج بالغ اذا ما حملته الضرورات العملية على التمهل في التزام رأي الفقه الشرعي في بعض الامور خصوصا في مثل نظم الشركات، والتأمين، والبنوك، والقروض، والحدود، وما اليها.

كمـا يلاحظ بهـذا الخصـوص ان النص الوارد بالدستور وقد قرر أن الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، انما يحمل المشرع امانة الاخذ باحكام الشريعة الاسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه الى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ، عاجلا او آجلا، بالأحكام الشرعية كاملة وفي كل الامور، اذا رأى المشرع ذلك.



اقامة الحدود

الاكتفاء بالشريعة المصدر الرئيسي للتشريع سيخول للمشرع مصدرا واحدا للأحكام وفقه القضاء وسن القوانين، وسيكون التشريع الكويتي بمقتضى تعديل المادة 2 قريبا من التشريع السعودي الذي ينص على أسلمة القوانين والأحكام وعدم سن اي قانون الا بما وافق الشريعة. وفي هذا الاطار سيتاح للمشرع التعديل على مواد في القانون المدني لموافقة بنود فيه مع أحكام الشريعة، وهنا تثار مسألة اقامة الحدود.

فالقصاص والرجم وقطع يد السارق ومنع الربا من التجارة كلها أحكام نصت عليها الشريعة الاسلامية وهي تطبق مثلا في السعودية في اطار اقامة الحدود والحكم بما قضاه الشرع الاسلامي أولا دون اللجوء الى مصادر أخرى خصوصا وقد نصت الشريعة على أحكام شرعية في بعض القضايا.



دعاة تغيير المادة

دعاة تغيير المادة ينطلقون مما نصت عليه المذكرة التفسيرية بأن على المشرع الأخذ من الشريعة الاسلامية ما وسعه ذلك، وما وسعه ذلك تعني أن التشريع القانوني او حتى تعديل الدستور يجب ألا يتعارض مع مواد الدستور الاخرى، وبالتالي فان تعديل المادة الثانية سيقيد المشرع بالأخذ من الشريعة فقط بدلا من السماح له بالأخذ من الشريعة ومن غير الشريعة.



أسلمة القوانين

يرى بعض الخبراء الدستوريين أن تعديل أي مادة في الدستور يكون على اساس المزيد من الحريات لأن تعديل الدستور وحصر مصادر التشريع بالشريعة يعني تقييد الحريات منها على سبيل المثال الحرية الشخصية أو حرية اقامة الشعائر الدينية او مبادئ العدالة والمساواة، فالرجل في الشريعة لا يتساوى مع المرأة، والمسلم في فهم الشريعة لا يتساوى مع غير المسلم.

مسألة مصادر التشريع في الشريعة تعتمد على القرآن والسنة والتاريخ الاسلامي والتجارب الانسانية النافعة، وكل هذه المصادر ليست محكمة وانما مشرعة للاختلافات المرتبطة بالعقيدة، فالقرآن كمصدر يحتاج لتفسير وهناك عدة تفاسير وبالتالي فان النشاط التشريعي سيقتصر على الفقهاء دون غيرهم ولن يكون المجال مفتوحا لكل الفقهاء.





الحكومة ترد على مطالبات 39 نائباً في 1994: تطبيق الشريعة لا يتطلب تعديل الدستور



رغم الأهمية الكبيرة التي تكتسبها المطالبات بتعديل المادة الثانية من الدستور في كل مرة تطرح فيها، والتي تشير المعلومات الى انها ممتدة منذ وضع الدستور الى يومنا هذا، وشملت اقتراحات نيابية عديدة، الا ان المستغرب غياب المراجع الرسمية الموثقة لهذه الاقتراحات والمشاريع في مجلس الأمة.

وتشير المعلومات الى ان الاختلاف حول هذه المادة بدأ منذ المجلس التأسيسي خلال وضع مسودة الدستور، قبل أن يستقر الرأي على اعتمادها بشكلها الحالي.

وعلى امتداد الحياة البرلمانية، تفيد التقارير ان المجالس التشريعية شهدت تقديم مشاريع قوانين دستورية وطلبات متعددة لتعديل المادة الثانية من الدستور ومنها في 1973، 1975، 1981، 1985، 1992، 1996، 1999، 2003 و2009.

وتبين المعلومات المستقاة حول هذا الموضوع ان مجلس 1992 شهد ( في مايو 1994) تقديم 39 نائبا اقتراحا لتعديل المادة الثانية من الدستور لتنص على أن (الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع) بدلا من (مصدر رئيسى للتشريع) كما جاء في المادة الثانية من الدستور، لكن هذه المحاولة من قبل المجلس أحبطت. وقد بعثت الحكومة برسالة الى المجلس أشارت فيها أن تطبيق الشريعة لا يتطلب تعديل الدستور، وأنه يمكن تعديل التشريعات القائمة بما يتفق وأحكام الشريعة بناء على ما تقدمه اللجنة العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية.





ليبيا ومصر... الشريعة المصدر الأساسي وتونس والمغرب لم تنصّا صراحة على ذلك



لم تكن الكويت حالة منفردة في مطالبة نواب بجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. بل نجح الليبيون بعد ثورتهم على القذافي في جعل الشريعة (أي الفقه الاسلامي) «المصدر الرئيسي للتشريع» تحت نص الدستور الموقت (المادة 1).

لكن هذه الصيغة تعتبر عادية نسبة الى دول المنطقة الأكثر ليبرالية. فالدستور التونسي السابق (الذي تم وقف العمل به حاليا) ينص على أن الاسلام هو دين الدولة، لكنه لم ينص على أن الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع. وقد تقدم نواب حزب حركة النهضة الاسلامي في تونس بمشروع تعديل على الدستور تنص بمقتضاه المادة العاشرة في الدستور التونسي المقبل على أن الشريعة مصدر اساسي من مصادر التشريع.

كما ذهب الدستور المصري السابق الى أبعد من ذلك (الموقوف تنفيذه أيضا)، ونص على أن الاسلام هو المصدر «الرئيسي» للتشريع. اما الدستور المغربي الجديد (والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2011)، فينص على أن الاسلام هو دين الدولة ولكنه لم يذكر الشريعة. ومع ذلك فانه ينص على أنه لا يمكن للأحزاب السياسية أن تعمل ضد الدين الاسلامي.

وقال الكاتب زيد العلي «أيا كان الوضع، فليس من الواضح أن هذه الأحكام الدستورية في الشريعة لها أي تأثير عملي. وهذه المادة رمزية في الغالب لأنها لم تترجم الى التزامات ثابتة من جانب المشرعين للنظر أولا الى المصادر الاسلامية قبل النظر في مصادر أخرى. ففي الواقع، اذا كانت الغالبية فى البرلمان من الاسلاميين، فسوف ينظر أولئك المشرعون الى الاسلام كمصدر الهام بغض النظر عن ذكر الدستور للموضوع. واذا تألف البرلمان في معظمه من الشيوعيين، فعلى الأغلب لن يكون الاسلام مرجعا».





مصر... مطالبة بتثبيت المادة 2



يطالب الاسلاميون في مصر اليوم بتثبيت المادة 2 من الدستور بينما يطالب بعض الليبيراليين وممثلي المسيحيين بتعديل هذه المادة التي كانت تنص عام 1971 على أن مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ثم أصبحت تنص بعد تعديل عام 1980 على أنها المصدر الرئيسي للتشريع. وقد أثار هذا التعديل أنذاك قلقاً ورفضا شديدين، من جانب أنصار الدولة المدنية كما أنها سببت فرحاً وابتهاجاً والمطالبة بالمزيد من أنصار الدولة الدينية.