مشاهد / التحرير ومعرض الكتاب
1 يناير 1970
05:39 م
| يوسف القعيد |
كلما اكتشف الناشرون قلة عدد زوار المعرض مقارنة بالسنوات السابقة. تساءلوا: أين جمهور المعرض؟ فيأتيهم الرد فورا: في ميدان التحرير. حتى يوم الجمعة الذي كان يصل الحضور فيه لذروة الأرقام القياسية. فقد أصبح الآن نصف يوم. فإدارة المعارض ترفض فتح أبواب المعرض يوم الجمعة إلا بعد الساعة الثانية ظهرا حتى تتفادى صلاة الجمعة في المسجد الموجود بأرض المعارض. لأنها قد تتحول لمظاهرة.
إقامة المعرض هذا العام كانت بطولة.. تحسب لوزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد. ورئيس هيئة الكتاب الدكتور أحمد مجاهد. ومعهما المجلس العسكري ممثلا في الفريق سامي عنان. الذي أخذ على عاتقه أهمية إقامة المعرض في موعده. ودعم فكرة عدم تأجيله التي كان قد اعتصم بها وزير الداخلية ووافقه على رأيه رئيس الوزراء كمال الجنزوري. لقد رأى وزير الداخلية أنه لا بد من تأجيل المعرض لشهر فبراير أو مارس. والوزير لا يعرف بوجود منظومة معارض تقام على مستوى الوطن العربي. وأنه ما إن ينتهي معرض القاهرة حتى يبدأ معرض في عاصمة أخرى. وهكذا طوال أيام العام. والناشرون مرتبطون بهذه المعارض.
ما لم يكن يعرفه أيضا وزير الداخلية ورئيس الوزراء أن نصف مبيعات الكتب على مدار العام تتم في معرض القاهرة الدولي للكتاب. لا ينظر أحد إلى البيع الفردي. لأن أهم ما يتم في معرض القاهرة هو تعاقدات الأجهزة الحكومية والجامعات ومراكز البحث والدراسات على شراء كميات كبيرة من الكتب خلال هذا المعرض.
وأسهل شيء على وزير الداخلية الحالي أن يقول إنه لا يستطيع تأمين المعرض. ولتتفضل أي جهة أخرى بالتأمين حتى لا يكون هناك حل سوى التأجيل. لدرجة أنه بعد التدخل الواضح للمجلس العسكري إلى جانب إقامة المعرض في موعده. أصر وزير الداخلية مدعوما بتأييد كمال الجنزوري على أن يغلق المعرض أبوابه يومي 24، 25 يناير. باعتبارهما الذروة التي كان هناك توقع أن تحترق فيها مصر عن آخرها ولا يبقى في مصر أي شيء.. والحمد لله أن مصر خرجت من 25 يناير دون أن يحدث لها ما كان متوقعا.
افتتاح المعرض لأول مرة.. بدون مبارك. في البداية كان هناك تفكير أن يأتي المشير طنطاوي لافتتاح المعرض. وكانت الفكرة مرفوضة. ثم طرحت فكرة أن يأتي الفريق سامي عنان. ورفضت الفكرة أيضا. وكل ما تمت الموافقة عليه أن يقال إن المعرض تحت رعاية المجلس العسكري. وحتى هذه الرعاية تم سحبها.
في النهاية تقرر أن يفتتح المعرض الدكتور كمال الجنزوري. وحتى لحظة الافتتاح كان هناك توقع أن يحضر.. لكن الرجل لم يحضر ولم يعتذر. فافتتح المعرض شاكر عبد الحميد ومعه سبعة من الوزراء. لفت الأنظار وجود الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف بزيه الأزهري في افتتاح المعرض. وجوده قوبل بترحيب من البعض واعتبر دليلا على حالة انفتاح فكري في الأزهر. ورفض من.. البعض الآخر لأن هذا البعض الآخر تصور أن وجود وزير الأوقاف بزيه الأزهري تذكره برقابة الأزهر على الفكرة التي كانت موجودة من قبل. ولاتزال موجودة على الورق. لكن شيخ الأزهر الحالي يحجمها كثيرا.
وبالرغم من شكوى الناشرين ولم يحدث أن توقفوا عن الشكوي في أي سنة من السنوات. وشكواهم هذا العام تركزت في قلة الرواد. ويبدو أن ميدان التحرير أخذ الناس من المعرض. وليت الأمر توقف عند حدود ميدان التحرير. فقد جاءت مجزرة بور سعيد. وحريق إستاد القاهرة ليأخذ الناس.. أكثر ثم أحداث السويس لتجعل المترددين على المعرض أقل من القلة.
ومع هذا أعترف أنني شاركت في ندوتين من ندوات المعرض وكان الحضور فيهما أكثر من الأعوام السابقة. وبالرغم من القلق العام والتوتر البادي على الوجوه والأسئلة الحائرة التي تزحم الجو. فإن ظاهرة جمهور المعرض الذي يجلس لوقت قليل في القاعة ثم ينصرف إن لم يعجبه الكلام قد تراجعت كثيرا. وهناك من جلس منذ أول الندوة حتى آخرها. لقد حضرت ندوة حول نجيب محفوظ والثورات العربية. شاركني فيها الناقد الأدبي المعروف الدكتور حسين حمودة ومحمود قاسم الناقد والباحث والمؤرخ السينمائي. وأدارها الدكتور خالد عاشور. وتحدث فيها من الصالة الدكتور أنور إبراهيم عن صورة نجيب محفوظ في النقد السوفيتي. وكان الحضور كثيفا.
أما الندوة الثانية... فكانت عن رواية الإعلامي المصري محمود الورواري: «حالة سقوط»، تحدثت قبلي عن الرواية فريدة النقاش وشاركت من الصالة بالكلام نسمة يوسف إدريس القاصة الواعدة ابنة يوسف إدريس التي بشرتنا بأن لديها رواية جديدة بعد مجموعتها القصصية التي نشرت منذ فترة.
أول ما لفت نظري في هذا المعرض دور النشر السورية. وعلى الرغم من أن الثورة السورية... أوشكت أن تكمل عاما من عمرها. إلا أن الناشرين السوريين ملأوا أجنحة المعرض وكان لديهم الكثير من الكتب الجديدة. وتصاب بالدهشة من قدرتهم على الطباعة وإخراج الكتب الجيدة بالرغم من الظرف العام الذي يمر به الوطن. أيضا كثرة دور النشر الليبية.. التي تأتي إلى المعرض لأول مرة.
وفي الحفل الذي أقامه محمد رشاد للناشرين بمناسبة المعرض لاحظت أنه عند الكلام عن الثورة المصرية والثورة التونسية أن غضب الإخوة أبناء ليبيا لتجاهل الثورة الليبية ولم يعجب الناشرين اليمنيين تجاهل الثورة اليمنية ولا الأشقاء من سورية رضوا عن تجاهل الثورة السورية. بل إن الدكتورة فاطمة البودي وقفت محتجة وقالت وأين ما يجري في البحرين؟ لماذا تجاهلتموه؟
ثمة كتب كثيرة في المعرض عن الخامس والعشرين من يناير. تتوزع ما بين اليوميات والدراسات والأسرار والحكايات. وكل هذا طبيعي أن يصدر في السنة الأولى من عمر الثورة. لكن الجديد وجود دواوين الشعر ومجموعات القصص القصيرة بل والروايات التي تدور حول الثورة. ولن يسأل الإنسان نفسه عن السرعة الكامنة في كتابة هذه الأعمال. لأن الأمر مرهون بقراءتها والحكم عليها وهذا ما لم يحدث من قبل.