محطة / لجنة الشعر المصرية احتفت بمحمد الفيتوري في ربيع الشعراء

1 يناير 1970 03:52 م
| القاهرة- من إيهاب كامل |

جلس الشاعر محمد الفيتوري في الصف الأول بقاعة المجلس الأعلى للثقافة في مصر وإلى جواره زوجته يستمع لقصائده بصوت المشاركين في الاحتفالية التي أقامتها لجنة الشعر بالمجلس... ضمن احتفال اللجنة بـ «ربيع الشعر»، وكأنه لم يسمعها من قبل ويهز رأسه ويقول «الله» ومنها القصيدة التي ألقاها الشاعر والإعلامي المصري فاروق شوشة نيابة عنه بعنوان « لماذا».

يبدو أن المرض هوالذي منع الشاعر من إلقاء القصيدة بل وعدم إلقائه شهادة بعنوان « أنا والشعر»والتي كان من المقرر أن يلقيها في الجلسة المسائية قبل الأمسية الشعرية التي خصصت لإلقاء أشعاره وشارك فيها عدد من الشعراء منهم: «محمد إبراهيم أبوسنة - عبد المنعم عواد يوسف - محمد الشهاوي - وهدى عبدالدايم».

الاحتفالية بدأت بجلسة افتتاحية... أدارها الشاعر فاروق شوشة قائلا: لقد جاء محمد الفيتوري إلى البلد الذي تفتحت فيه أزاهيره الأولى وشق في فضائه طريق إلى عالم الخلود الشعري... بدءا من الإسكندرية وانطلاقا من القاهرة جاء الفيتوري ليعطر القاهرة من جديد بهذه النسائم الشعرية التي دائما ما كانت لافحة ومحركة للقلوب والعقول، وتحدث مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر... الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قال: مرحبا بالربيع في ريعانه وبأنواره وطيب زمانه ، نحتفل اليوم بربيع الشعراء وفيه نحتفل بالفيتوري... نحتفل بالفيتوري ربيعنا العائد نحن بحاجة إلى الربيع فقد أضنتنا وأضرت بنا الفصول الأخرى أضر بنا الهجين وأضر بنا الصقيع واستنفد الجدب أيامنا وبدد أحلامنا ونحن بحاجة للشعر فقد سكتنا طويلاً وحرمنا من أن نفكر وأن نعبر وأن نقول وقد أسلمنا السكوت للركاكة وأسلمتنا الركاكة للكذب.

وأضاف: نحن نريد أن نستعيد صدقنا وأن نخرج من الصمت إلى الجهر ومن القبح للجمال ، نريد أن نستعيد الشعر وأن نستعيد الربيع أن نستعيدهما معا لأنهم يغيبان معا ويعودان معا كلاهما يستدعي الآخر وهل هناك ربيع بغير حب وغناء وهل هنا شعر بغير ورود ودفء ونور .

لقد طالت غيبة الربيع ولكن ها هي أطياف الفيتوري في القاهرة ربيعنا العائد، الفيتوري صوت من تلك الأصوات العبقرية التي لا يكون من دونها شعر ولا من دونها ربيع، وبعد أن أنهى حجازي كلمته سلم الفيتوري درع المجلس الأعلى للثقافة.

وأما الجلسة النقدية - والتي ضمت إلى جانب النقاد عددا من أصدقاء الشاعر الذين رافقوه طوال مسيرته الشعرية - فقد غلبت عليها الذكريات، وتذكر مواقف قديمة جمعت الأصدقاء.

وكان أول الأصدقاء المتحدثين الدكتور صبري العسكري... والذي أشار إلى أن الفيتوري لم يكن ينوي حضور الاحتفالية فطلب منه من جانب أعضاء لجنة الشعر الاتصال بالفيتوري في المغرب لإقناعه بالحضور.

وقال: مهمة الحديث عن الفيتوري صعبة جدا فذلك يتطلب منه تلخيص 50 عاما هي عمر معرفته بالفيتوري الذي وصفه بالطائر لكثرة ترحاله، وأن الفيتوري لم يعط فرصة للكلام عنه لأنه كتب تاريخ علاجه كما لم يكتب في الجزء الأول واعترف كما لم يعترف مذنب بأنه شخصية من وجه واحد لا يعرف الرياء ولكنه غضوب وأنه يجب أن يستمر في ذلك فالمجتمع اليوم في حاجة اليوم إلى هذا التعامل.

واختار العسكري أن يحكي بعض الذكريات منها حادث اختطافه في بيروت وقال: لقد كنا معاً في بيروت وعدت إلى القاهرة وبعدها فوجئت أنه اختطف وكانت الحرب وقتها على أشدها وعلمت بعد ذلك أنه فاجأ مختطفيه وانطلق يلقي عليهم الشعر وأشعرهم بسفه ما فعلوه فأنقذه الشعر وأفرجوا عنه، وفي مرة أخرى كنا معا في المساء بالقاهرة وكان وقتها يعمل في الجامعة العربية.

وفي الصباح فوجئنا أنه سافر إلى بيروت... فأسهل شيء عند الفيتوري... هوأن يحمل حقيبته ويرحل فهورجل يجري وراء الحرية ولا يمكن لأحد أن يسيطر عليه وهذا كله لحساب الشعر.

أما الباحث عايدي جمعة - الذي حصل على الماجستير برسالة عن محمد الفيتوري فقد عرضها - وأشار إلى بعض النقد السلبي الذي وجه للفيتوري مثل وصف شعره في المرحلة الأولى من حياته بالزاعق وأنه لم يكن كذلك فقد كان يريد أن يستنهض أمة وأنه حينما ترك التجربة الأفريقية إلى الصوفية كان يبدومجهداً ولكن في الحقيقة كانت التجربة الصوفية عنده في منتهى العمق وكذلك توظيفه للتراث وقال: لاحظت أنه لم يقع فيما وقع فيه بعض الشعراء الكبار وهي عملية تغريب القصيدة العربية كما حدث مع السياب مثلاً، فعند الفيتوري الأسطورة مجدولة بالواقع وهي أسطورتنا نحن، وكذلك البنية الدرامية عنده تكشف عن وعي عميق بالتقنيات الحديثة.

أما الشاعر عبد القادر حميدة... فقد لفت إلى أن صداقته بالفيتوري بدأت على الورق عندما كان بإحدى المظاهرات في الإسكندرية العام 1946، ووجد شخصا يوزع منشورات بها قصيدة عليها اسم «محمد الفيتوري» الذي كان في ذلك الوقت طالبا بالمعهد الأزهري، وأنه حاول التعرف على الفيتوري فذهب إلى المعهد الأزهري ولم يجده واستمر الأمر لسنوات يقرأ له حتى سافر إلى القاهرة وحدث اللقاء وأوضح أنهما لم يفترقا منذ «50» عاما... حتى الآن.

أما الدكتور محمد فتوح فتساءل: لماذا نحتفل بالفيتوري؟ وقال نحتفي به أولا لأن الشعر، أمة شعرية سامقة أخلصت لفنها وشعرها فخلص له الشعر، فقد عمل الفيتوري بالصحافة والإعلام والديبلوماسية ومع ذلك لا نعرفه إلا بالشاعر وثانياً لأنه كان وما زال شاعرا ذا قضية يحمل على كتفيه أعباء السؤال.

وعدد فتوح... مكونات شعر الفيتوري ورصدها في الاثنية العجائبية والأسطورية التي اكتنفته منذ النشأة فهوليبي -سوداني، مصري، ونشأته في الإسكندرية وأخيرا والده الذي أخذ عنه الفيتوري الصوفية.

أما الدكتور محمود الربيعي... فأشار إلى أن الفيتوري يعتقد أن الفنان سُوّي من طينة غير طينة الإنسان وأن الفيتوري صاحب قضية ولكنها ليست قضية موقتة محددة وشعره يعطيك إحساسا بأنك تعيش بين الحلم والحقيقة وهو واحد من القلائل الذين صارعوا الواقع حتى حولوه إلى شعر وصارعوا الشعر حتى حولوه إلى واقع فشعره لا يوجد به انفصام بين الموضوع والشكل وهوالشعر الذي يعيشه.

فالفيتوري يعلم جيدا أنه إذا وضع عينا على الواقع وأخرى على الشعر سيخفق، فهويبدأ من الواقع ولكنه بعد ذلك ينظر بالعينين بعد ذلك على الشعر وفي المقابل نجد من صاغوا الواقع مع الشعر فصرعهم الشعر دون الواقع فحولوا المثال الجميل إلى «كلاشيهات» فانفصل عنهم عشاق الشعر إلى الأبد.