«سنّعوا» وزاراتكم حتى يصلح حال الشباب
1 يناير 1970
09:43 م
|بقلم: عبدالله محمد الشمري|
(أمبيه فديتني) هي كلمة ابتدعها واخترعها بعض شبابنا (الكيوت) بعد أن يكونوا قد قضوا ساعات طويلة في اكتشاف معالم وجوههم **أمام (المرايات) في تكحيل العيون وتحديد اللحية والشنب واستخدام مرطب الشفايف الوردي اللون، وبعد صراع مرير بينه وبين أخواته على (الإستشوار) ليقوم بتضبيط شعره المجعد وكأنه (ظهر) ضب ويجلس ساعات لاختيار «التي شيرت» والشورت المناسبين لهذا اليوم ويناسبان «اللوك» ليخرج بعدها لسيارته فيقوم كالمعتاد بملء السيارة (أم ثمانية سلندر) بالبانزين والتوجه إلى الجامعة أو الكلية لا لكي يحضر المحاضرات ولكن ليقوم بعملية تسخين قبل أن يتوجه مباشره للشوارع لتبدأ رحلة التصعلك والصياعة ويعود في أخر الليل ليقف أمام المراية مرة أخرى ويصف نفسه بـ (أمبيه فديتني).
هذه العينة البسيطة من بعض شبابنا للأسف هي فعلا (بلوه) تحتاج إلى إعادة تصنيع وتأهيل كامل. سأترك هذا المثال لأذهب إلى مثال اخر حتى لا يمل القارئ من مقالي (الساخر) نوعا ما إلى مجموعة من الشباب المترف ممن يقضون وقتهم بين القهوة والديوانية والبلايستشين والجنجفة والتنوع بين (صن) بلوت و(باون) كوت و (زات) هند في ظل غياب كامل لإحساس بالمسؤولية. هاتان العينتان بالطبع موجودتان في المجتمع بشكل كبير وذلك لا يعني أنها تمثل جميع الشباب والجيل الجديد ولكن لهما نصيب الأسد من مجاميع الشباب، البعض منها سببه تربوي من الأسرة وعدم محاولة توصيل حس المسؤولية للشباب، والبعض سببه سوء تنظيم من الدولة بسبب غياب الالتزام والضبط وخلق شعور المسؤولية داخل الفرد، ولأننا سنتحدث هذا الأسبوع عن التجنيد الإلزامي في الكويت أردت أن أجعل البداية كما رأيتم في البداية توضيحا لبعض عينات شبابنا الذي سلك الطريق الخطأ.
في البداية سأسرد لكم تاريخ التجنيد الإلزامي في الكويت منذ بدايته حيث كان التطوع هو المصدر الوحيد بالنسبة لتجنيد الرجال في الجيش الكويتي منذ انشائه عام 1949 حتى برز التجنيد الإلزامي في الكويت بصدور القانون رقم 13 /1976 في 16 مارس 1976، المعدل بالقانونيين رقمي 12 لسنة 1979 و66 لسنة 1980 الذي ألغي بقانون 102 لسنة 1980.
ومن أبرز ملامح القانون 102 لسنة 1980 هو اشتراطه تأدية الخدمة الإلزامية لكل كويتي يتم الثامنة عشرة من عمره، وحدد القانون مدة الخدمة الإلزامية بسنتين وتخفض هذه المدة إلى سنة للحاصلين على مؤهل جامعي، وبين القانون الحالات الخاصة بتأجيل الخدمة الإلزامية لمدة سنة قابلة للتجديد أو اسقاطها عن بعض الفئات، وقد أوقف النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع (آنذاك) الشيخ جابر المبارك العمل بنظام التجنيد الإلزامي في عام 2001، حينما صدر القانون 56 بتاريخ 28 يوليو من العام المذكور نفسه. وكانت هناك بعض التحفظات على قانون التجنيد السابق من حيث آلية استدعاء المجند وآلية التدريب المقرر له والمدة المقررة للتجنيد وآلية التطبيق في الوحدات العسكرية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار عامل المسافة والسكن عند توزيع المجندين، فضلا عن بروز مظاهر المحسوبية والوساطة والتهرب من الخدمة العسكرية وعدم تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المجندين، ونقص جرعات التدريب التخصصي لوحدات المجندين، وعدم تطبيق مبدأ التخصص الوظيفي للمجندين في الأماكن المناسبة لهم، وغياب الحوافز المادية والتشجيعية للمجندين المتميزين، الأمر الذي أدى إلى عرقلة العمل به وعدم تطبيقه بالشكل الصحيح.
هذا باختصار هو تاريخ التجنيد الإلزامي في الكويت وإلى أن ألغي القرار سنة 2001 وأسباب الغائه من منظور عام وهي تشابه بشكل كبير نظرتي لعيوبه بالاضافة إلى بعض النقاط الإضافية التي سأذكرها في نهايه المقال.
الآن سأعود إلى محور مقالي وهي العينات التي ذكرتها وغياب حس المسؤولية وفكرة التجنيد الإلزامي، من المعروف عن العسكرية أنها تزرع في الإنسان إحساس المسؤولية وتجعله قادرا على مواجهة صعاب حياته بجرأة ومن غير تردد أو خوف وتجعله قادرا على اتخاذ قراره بكل حزم في حياته الدراسية والمهنية. وقد تمتد مميزات العسكرية إلى حياته الزوجية حيث يكون الرجل قد زُرع به إحساس المسؤولية أكثر فيستطيع أن ينشئ منزلا يكون هو عماده الأساسي ودرعه الأمين.
هذه المميزات التي ذكرتها للعسكرية والتي أصبحت في السنوات التي سبقت الغاءه مجرد حبر على ورق نتيجة الواسطات والمحسوبيات وغياب التشجيع والدعم المادي للمتميزين وإمتلاء المطار بالهاربين فور سماعهم بخبر صدور اسمهم ضمن التجنيد الإلزامي وطول فترة الخدمة في نظري (سنتان).
أنا من المؤيدين لفكرة التجنيد الإلزامي وعودته ولكن بشروط يجب أن توضع في الحسبان حتى نجذب الشباب إلى مفهوم التجنيد الإلزامي وأنه تأهيل لحياة أفضل، وهو بداية دعم معنوي ومادي قبل أن يخوض معترك الحياة الجامعية وبناء مستقبله، وأرى أن تكون مده الخدمة سنة هي أفضل من سنتين حتى يتسع المجال للشباب لكي لا يفوتهم قطار التعليم بسبب العمر حيث تتخالط أوراق التعليم الجامعي مع الزواج وإكمال نصف الدين بعد العام العشرين، وأن يكون هناك بالطبع دعم مادي للمتميزين في الخدمة العسكرية الإجبارية، وحتى لا تنفر عينات شبابنا ( الكيوت ) أو ( بو زات ) عن فكرة الخدمه العسكرية أو التجنيد الإلزامي أيضا يجب أن نخلق لهم جوا مناسبا لتقبل فكرة التجنيد الإلزامي قبل أن يسمع بخبر إصدار القانون التجنيد الإلزامي و ( ويطيح ) غشيان من الخرعة.
في النهاية وقبل أن أختم مقالي أتمنى في يوم من الأيام أن أسمع أو أرى مكانا أو مؤسسة في الدولة وقد عرف عنها خلوها من الواسطة والمحسوبية فلولا هذا المفهوم لما رأينا غياب حس المسؤولية عند بعض الشباب، ولما كنا سنرى عينات (الكيوت) و(ابو زات) منتشرة بين الشباب، ولما كنا سنرى أنواع التحطم في نفوس الشباب.
ولأختصر الحديث في كلمتين جميلتين قيلتا في مسرحية من المسرحيات القديمة وهما تعبران عن مقدار تفشي الواسطة والمحسوبية وهما ( سنعوا وزاراتكم ) حتى يصلح حال الشباب.
كلية الدراسات التجارية
Twitter:Abdullah_al_sha