المصلحة تعتبر بوجه عام مبدأ أكثر براغماتية، وهو مذهب فلسفي سياسي عملي معياره الوحيد النجاح، وهذا المفهوم كثير من الأشخاص يؤمنون به ويجعلونه دستورا لجميع معاملات حياتهم، وإن رجعنا لمدلول المصلحة شرعاً، فهو ينطلق من يقينية المقدمات المنطقية المسلّم بها للنظرية الشرعية، والمستمدة بطبيعة الحال من التنزيل، وكذلك من الحقائق العقلية والمعرفة التقليدية لما هو ضروري وممكن ومستحيل.
من الضروري في هذه المرحلة أن ننبذ شعور التهميش والإحباط لذواتنا، حتى نثبت وجودنا، ونؤكد لأنفسنا أننا قادرون على حسن الاختيار، وتحقيق الاستقرار والطمأنينة في البلاد، ومن أهم مؤشرات حسن الاختيار، أن نختار من يُقدم مصلحة الوطن على مصالحه الشخصية. ولي في التكتيكات الانتخابية تجربة سأطلعك عليها أيها القارئ الفطن، في الأربعاء الماضي كنت في افتتاح مقر أحد المرشحين من الشباب الواعد، وكان عرّيف الحفل مخضرما، سأنقل لكم سيناريو ونموذجا من تكتيكات المصالح الانتخابية، شعرت بحزن عميق لما لمسته ورأيته من المرشح والداعمين له، قدّم المرشح كلمته بديباجة معاناة مواطن، للأسف وهو يظن أنها رؤى وبرامج انتخابية تؤهله لدخول المجلس القادم، وبعد الانتهاء من كلمته المتواضعة لم يفتح الباب لأسئلة الجمهور، بل سيطر العريف على الموقف وأخذ يتحدث مع المرشح ويسأله أسئلة بكونه ناخبا وليس مقدما، وكل سؤال يأتي من الجمهور توضع الورقة بيد المرشح ويضعها تحت قاعدة المايك، إلى أن انتهى اللقاء ولم يُجب عن أسئلة الناخبين.
إليك عزيزي القارئ هذا التحليل البسيط، إن هذا المرشح قَبِل أن يُزج في المعترك السياسي زجاً مقابل مصلحة ما، أولا... ليس له تاريخ سياسي يشفع له الخوض بهيجاء السياسة. ثانيا... لم يكن المرشح ملما إلماما كاملا بجميع قضايا البلاد، لذا كانت الأسئلة الموجهة إليه مصيرها تحت قاعدة المايكرفون خوفا من الإحراج. ثالثا.. يعتقد المرشح بأن الناخبين الكويتيين سذج ينطلي عليهم أسلوبه السطحي، وشحه التاريخي والعملي لمشكلات البلاد إلا ما ندر. رابعا... لم تكن لديه آليات وعلاجات لبعض مشكلات البلد التي تحدث عنها. لذا نقول لكل متنفذ في البلاد لا تعبثوا بعقول الشباب الذين لم ينضجوا فكريا وسياسيا، وتجعلوهم أداة لمصالحكم داخل المجلس للتخريب والمجون والعبث بمصالح الوطن.
نحن في أمّس الحاجة إلى أن نصنف الأفكار والأشخاص تصنيفا عميقا حتى نكون قادرين على اصطفاء الأخيار للمجلس المقبل، وأن يكون تصنيف الأشخاص على مصدر الأفكار، أي من أين يستقي المرشح أفكاره، التي يبني عليها قناعاته ومبادئه ومفاهيمه؟ هل من العلم الشرعي المدّعم بالأدلة والبراهين؟ أم من العلم المادي المجرد الذي يرتكز ويعتمد على النتائج والوقائع وخبرات الآخرين؟ نحن لا نريد أن نصنف الأشخاص بالتصنيف الفئوي والطائفي والمؤدلج، وحاجتنا للتصنيف تنبع من افتقارنا لشخوص تمتلك منظومة متكاملة الأركان لرؤاها الانتخابية باستشراف مستقبلي للكويت، ندعو كل من يصل إلى البرلمان أن يتجرد تجردا كاملا من هويته الشخصية، ويعمل من أجل البلاد بهويته الوطنية الفكرية المرتكزة على علم النقل والعقل، التي ترتقي بالوطن إلى القمم.
«هنيهة أيها الناخب».. إن أردت أن تزكي مرشحا لإيمانك بأفكاره ورؤاه ومواقفه السياسية، لا تجبر الآخرين على تزكيته واختياره كممثل للأمة، ما تراه حسناً غيرك يراه سيئاً، وما تراه صادقا غيرك يراه كاذبا، فأنت لست بكاملٍ ولا المرشح الذي زكيته بكاملٍ، قد تخفى عليك أمور، ظاهرة وبازغة عند غيرك، فلا تلزم الآخرين بتزكيته واختياره كعضو للبرلمان، قد تغيب عنك زاوية من أفكاره ومواقفه وأحداثه، ولكن لا تغرب وتغيب عن غيرك، فكلٌ منا حر بصوته فلا تلزم وتفرض على الآخرين اختيارك، بتسفيه وإلغاء دورهم باختيار وانتقاء من يمثلهم.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib