رحل بينما حلمه لا يزال مشغولاً بالأمل
تأبين / إبراهيم أصلان... بساطة الإنسان وتوهّج المبدع
1 يناير 1970
06:41 م
| كتب مدحت علام |
لم يكن رحيل الروائي المصري إبراهيم اصلان... رحيلا عاديا، بقدر ما هو يتم اصاب شوارع مصر القديمة، تلك التي قضى اصلان ردحا من عمره في تأكيد** انتماءاتها إلى الانسان البسيط، صاحب الاحلام البسيطة، والتطلعات المتناهية في التواضع. ان ابراهيم اصلان - الذي رحل عن دنيانا منذ أيام قليلة مضت- صورة مشرقة لا يمكن للرواية العربية ان تنفصل عنها، بفضل ما اتسمت به هذه الصورة من وضوح وتلقائية، وعناصر وفضاءات تعبر -خير تعبير- عن الانسان، وتبحث عن المهمشين الذين جاء ذكرهم في روايات اصلان، كأبطال حقيقين في دوائر الحياة، واجساد تعطي الدفء والامل للحياة، بمشاغباتها وآلامها الكثيرة وأفراحها القليلة.
هكذا عاش اصلان بسيطا... ومات - كما عاش- بسيطا بملامح وجهه المريحة رغم شاربه الكثيف، وخطوط وجهه التي اعطى لها الزمن قوة وصلابة وتحديا وتفانيا في الحب والحلم والنقاء.
فصاحب «مالك الحزين»... لم يكن حزينا رغم ملامحه التي تؤكد على ذلك، بقدر ما كان سعيدا في سعيه إلى كل شارع وحارة بحثا عن بشر يشبهونه إلى حد بعيد يجعل منهم ابطالا يحركون الحياة، بحيوياتهم، ويتنفسون الحب والكره على طريقتهم، انه كان سعيدا بحياته التي لم تخل من الامل ابدا، وبوجوده الفاعل في الحياة الثقافية والابداعية وبقربه اللافت للنظر من الواقع، الذي ألبسه لباس الخيال، فلم يعد باستطاعتنا النظر إليه من اتجاه واحد، او برؤية ضيقة.
لقد استطاع اصلان ان يغوص في أعماق شخصيات رواياته، في ابتهاج واتقان شديدين، كي تخرج من حبر القلم- الذي يقبض عليه بين اصابعه بحرص- روايات ذات حس توثيقي انساني مفرط في الدهشة، وباصرار قوي على ان تبدو احلامه الروائية قريبة جدا من وجدان المتلقي بكل ما يحمله من افكار واطياف ورؤى ومعتقدات، واحلام. انها 77 عاما قضاها اصلان مبدعا، لم يتمسح في جسد اي مؤسسة كانت، كان حرا مع خيالاته وكتاباته، والبسطاء الذين اختارهم ليكونا اصدقاء دربه، وزملاء مسيرته الادبية، عاش زاهدا، غير قابل على الاطلاق ليكون قلما لاي اتجاه كان، فقد كان اتجاهه نابعا من نفسه وراجعا ايضا إلى نفسه.
ومع كل هذا الغياب الذي امتشقه اصلان الا ان رواياته ستبقى في ضمائرنا ومشاعرنا واذهاننا شاهدة على حياة انسان مبدع، عاش من اجل الانسان، ورحل عن دنيانا ايضا من اجل ان يكون ذكرى جميلة، ونحرص على ان تكون ملتصقة في مشاعرنا واحلامنا، تلك التي بمقدورها ان تحفز فينا الامل، وتجدد فينا حيوية الطموح، وتنمي في مشاعرنا الخيال الذي نتطلع اليه.
رحل اصلان ونحن في امس الحاجة إلى اطلاله وجهه البشوش، والى تعابير وجهه الذي يبعث في النفس الراحة والطمأنينة، ويجعلنا نقول دائما «لاتزال الدنيا بخير طالما ان فيها اصلان».
رحل اصلان... بينما حلمه باق، وابداعاته حاضرة ستجعل من غيابه حضورا اكثر روعة وبهاء.
انه المبدع الذي استطاع ان يؤسس في نفوس محبيه الحلم الذي يبدو بعيدا، غير انه مضاء بمصابيح شديدة الضوء، ومحمولا على اكف بيضاء، تسعى إلى نثر الزهور على خطوات الطيبين والبسطاء.