نادين البدير / رسائل أول السنة

1 يناير 1970 11:20 ص
| نادين البدير |

في ديسمبر. مثل كل عام. كان سؤال غالبية المعارف: أين ستكون ليلة رأس السنة؟ ومع من؟

التخطيط لافتتاح العام الجديد يمتعهم. لكني لا أعلق نفسي به كثيراً، لأنني أحب السعادة التي تهطل فجأة من السماء دون أن أجهد بالبحث عنها أو التخطيط لها

في ديسمبر. مثل كل عام. تبدأ النشرات بإحصاء أحداث العام ومجرياته. كأننا نسينا ما حدث ليعيدوا تذكيرنا به.

ومثل كل عام. تبدأ المواعظ المملة: افتحوا ملفاتكم وراجعوا أنفسكم. دققوا بحسناتكم وبذنوبكم. لكنني لست مخلصة عند تقييم ذاتي نهاية السنة، إذ أتناسى أمورا كثيرة فعلتها وكنت من الضالين وأتناسى أشخاصاً أضلوني أو أضللتهم. لذا أتغاضى عن مسألة التقييم والحساب... ألا تتحقق السعادة إلا بإحصاء الخسائر والانتكاسات؟

ولم فتح الملفات؟ لم لا أترك الحياة تمر على سجيتها وأن ما مضى قد مضى وانتهى؟

ثم ما قصة الخسائر؟ هل كنت أنا الضحية الوحيدة فيها؟ أو كنت صاحبة النوايا الحسنة على طول الخط... أو المغلوبة على أمرها والتي تفنن القدر بالعبث معها؟

هكذا نهوى تقييم أنفسنا... مظلومون... فالجبار لا يرى جبروته والقاسي لا يدرك قسوته والظالم يشفق على نفسه. وهكذا نرتاح للاعتراف بفقدان السعادة واضطهاد القدر... ونهوى إلقاء ضعفنا على شماعة الناس الذين تآمروا وتكالبوا علينا لنكون مثار شفقة. رغم أن الناس عابرون في حياتنا. كلهم عابرون، فكيف نسمح للمارين بالتأثير على أقدارنا؟ ستكتشف في النهاية أنك وحيد في الحياة مهما كنت محاطا بالناس، على العكس فكلما زاد عددهم تأكدت مسألة عبورهم. وستعرف مع الوقت كيف تتوحد مع الوحدة حتى لتشعر بغيرتها عليك من كل عابر.

أناس كثيرون يروحون ويجيئون. هناك من طبعها بجماليات وهناك من أزعجني قليلا... لكنني لم أكن ملاكاً. الشيء الذي أخشى عليه من الحسد (رغم أنه يعكس جانباً متبلدا بداخلي) هو ذاكرتي القصيرة تجاه من أقرر نسيانهم، ومظهري الهادئ الخداع، وقدرتي على التحكم في عواطفي، فالمكان والوقت لا يتسعان للضعفاء هل أنا عملية؟ أم شريرة؟ لماذا أكتب هذه الأشياء الآن؟

سأفتتح العام بالجمال بدل الجردة المقيتة للذات والأرباح والخسائر، وأنشر رسالة القارئ العزيز الأستاذ أسعد ابراهيم تعقيباً على مقال سابق لي يروي قصته ويقول: انها تحمل المبادئ التي نشأ عليها جيله: «منذ أربعين سنة في مثل هذه الأيام سافرت للخرطوم برحلتي الأولى لخارج مصر، كل شيء كان مقفلا لسبب اعياد راس السنة وعيد الفطر وعيد الميلاد التي جاءت كلها في وقت واحد. فرغبت أن أصلي شكرا لله على سلامة الوصول مع خوفي من التجوال وحدي فذهبت للجامع القريب من الفندق ومعي كتاب الصلوات خلعت نعلي ودخلت واتخذت ركنا قصيا بالجامع وصليت صلاة الغروب وكانوا وقتها يؤدون صلاة المغرب. بعدها جاءني أحد المصلين وسألني: لم لم تصلي معنا جماعة ووقفت بعيدا وحدك؟ فأفهمته أنني مسيحي واردت أن أشكر الله ولا أعرف كنيسة قريبة فدخلت الجامع لأصلي.. فكان أن احتضنني وحياني ثم دعا بقية المصلين لتحيتي... وظننت لوقت قريب أنني الوحيد الذي فعلت ذلك وها أنا أراك وقد فعلت ذات الشيء».

بالأمس فتحت بريدي وكذا صفحة الفيسبوك فإذا برسائل سعيدة تهطل كالعيد وتقول (ظننا أننا الوحيدون الذين نصلي بمختلف المعابد) كتب الأستاذ عمرو أبو العلا «صدقيني عندما اشعر ان هذا المكان يعبد فيه الله يزداد ايماني بالله عشرات المرات بغض النظر عن المكان الذى اكون فيه» هناك رسائل محبة أخرى صلى أصحابها وتعبدوا بأغرب الأماكن. هؤلاء هم أبناء مجتمعنا بقيمه البريئة الأولى.

فشكرا لكل ذاك الحب من رسائل تجاوز كتابها عقد الفتوى والكره. يكلمون الله في أي وقت وأي مكان ودون وسيط. هذا أجمل احتفال برأس السنة. أجمل من جرد الذات وأجمل من السهر ومن كل الأحلام العادية.

وأبدأ العام الجديد بمقولة من رسالة الأستاذ طلعت عبدالملك: الدين كالطاقة الذرية إما تنير العالم وإما تحرقه.



[email protected]