| نادين البدير |
فتحت الجهاز لأكتب عن الحدث الكبير، أخيراً سمح للسعوديات بالمشاركة في الأولمبياد. القصة أن اللجنة الأولمبية هددت السعودية باستبعاد اسمها من أولمبياد لندن المقبل 2012 ان لم تسمح للنساء بالمشاركة، فما كان من السعوديين الا الاسراع باعلان مشاركة السيدات وأرفقوا الاعلان بعبارة (وفق الضوابط الشرعية) وهي عبارة يرفقها المسؤول السعودي مع كل انفتاح يقره لي اكراماً لغيرة رجال الدين الذين يقطنون هناك. في البعيد. أبعد مما تتصورون.
عندي مجموعة من ردود الغضب المناهضة، لكني لست بمزاج يسمح بالكتابة عنها أو التفكير بها ليس حزنا أو يأساً. ربما خجلاً من تحريم الرياضة النسوية ومنعها، وخلو مدارس البنات من حصص التربية البدنية، ومن بعض الذين ركبوا موجة الانفتاح فتخلوا عن التحريم وأقروا جوازها شرط انحسارها بين النساء. أما العضو بأعلى سلطة دينية (هيئة كبار العلماء) الشيخ عبدالله المنيع فقال: ممارسة الفتاة للرياضة ليست محظورة شرط ألا تكون ذات بكارة «فإن كانت بكراً فقد ذكر أهل العلم في كتب الفقه أن غشاء البكارة قد يزول بقفزة أو نحوها!» آخر نصح أن تمارس الرياضة بسروال أفغاني. وثالث تخوف من أن تصارع الرجال حين تقوى بنيتها، ورابع رآها عارية بمخيلته ورأى الفساد انتشر وهلكنا جميعنا... هذه مخاوف انشغل باخراجها كثيرون وأشغلوا الوطن بها عشرات السنين وحين صدر القرار قال أحدهم لاحد المسؤولين: أتحداك أن ترسل زوجتك أو ابنتك، وانشغل البلد بأكمله بسفر السيدات للأولمبياد. ماذا سيفعلن وماذا سيرتدين؟
مخجلة الكتابة اليوم. ومخجل الاحتفال بالاعلان الأولمبي ومزاجي يشدني نحو اللامبالاة. ما الذي يشغلني بتلك السقطات؟
بالكتابة عن وطن تتنازع عليه قيود الرجعية. صحراؤه التي صمدت آلاف السنين أمام القحط ولهيب الشمس تكاد تهلك اليوم من عطشها للحرية.
منذ زمن وأنا أقسم كل مرة: لن أكتب عنه. سأبتعد وأكتب عن أمور أخرى في الحياة... عن الفضاء. عن الأسفار التي أحبها. عن الرجال. عن أي شيء.
كيف أنشغل باعلان أولمبي متأخر جاء نتيجة ضغط دولي وان كان يدرج ضمن الاصلاح؟
الرأي العام كعادته عقب كل قرار، انقسمت ساحته لنصفين... من جهة كانت الأقلام الصحافية المنافقة التي أشاد أصحابها بالقرار وهم لا يعيرون أهمية لمضمونه وقد يرفض أحدهم حد الموت رؤية قريبته تمارس الرياضة أمام الرجال، وفي ذات جهة النفاق تقف أيضاً آراء متلونة تتغير خلال اعلان أي قرار حكومي من النقيض للنقيض. في ثوان تنتقل من التحريم الى الجواز وربما مستقبلاً للوجوب.
أما الجزء الآخر من الساحة فهو الذي أخذ عهداً قديماً بتسيير الأمور وفق هواه. كان ذلك شرطه لضمان استتباب الاستقرار. نستشيره حين نأكل وحين نشرب وننام ونعمل ونمارس الحب والرياضة ونختار الشريك... كل التفاصيل اليومية بعهدته.
هذا القسم لا يعجبه الخروج الذي يمارسه المسؤولون أحياناً، والذين اضطروا أمام الرأي العام العالمي للتغيير وان ببطء لأن الوضع لم يعد يحتمل... أبسط أنواع التغيير وأقدرهم عليه هو قضية المرأة. تلك الواجهة التجميلية الوحيدة.
وطني ينحني منهكاً لفتاوى رجال لم يصدقوا حتى سنوات قريبة أن الأرض كروية وأن الانسان وصل للقمر، عدت لأكتب عنه من جديد. كل مرة أعود لأفعلها قد تكون مشكلتي أني ربطت بين حياتي وبينه، ويبدو أن الوقت تأخر جداً لتصحيح أي مسار هل كان حبي له نزوة أشقتني؟ أم هناك وقت للبحث عن حبيب بديل؟
مشكلتي أيضاً أني كلما أحببت رجلاً أقارنه به. يخسر الرجل ويبقى هو لا أحد مثله. جبار عنيد قوي مليء بالتناقضات. يحبني ويظلمني أهواه لأني ابنة تناقضاته. ويعجبني وأراه فارسا مهما صار عجوزاً أراه الآن بوضوح. ذلك المكان المتناقض بكل شيء. بأفكاره. بصحاريه وبحاره. حبه ليس بنزوة... حبه رعشة أبدية... هل يمكن أن يلازمني ذات الشعور مع رجل مدى الحياة؟
مزاجي يؤرقني. هذه المرة لأحبه من جديد، ولأكتب عنه من جديد. بلا خجل. وقد أكتب كثيراً حتى تنتهي الرجعية ولو على الورق. فأملي كبير، وأجمل ما بالتطرف أنه يبقى غاطساً منغمساً بين النسوان وحكايا النسوان وعذرية النسوان... وفي الصحراء هناك مساحات واسعة شاسعة لبناء صروح سرية للحرية لا يعرفونها. هناك عوالم خفية لكل المستحيلات.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]