منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / مسطرة كلماتي

1 يناير 1970 10:14 م
للحرية ركائز وعوامل تقوم عليها، فالحرية ليست مفهوماً سياسياً يتلخص في فك القيد أو الأسر، ويصبح الإنسان حرا مستقلا لا شيء يقيده، الحرية هي من تقهر وتحطم وتهشم كل مفاهيم الاستبداد والاستعباد للناس، للحرية فلسفة كثير منا لا يفقهها، خصوصا الشق المعنوي منها، كلنا يفقه ويفهم معنى الحرية الملموس، وهو فك القيود أو التخلص من العبودية لشخص أو جماعة.

الحرية هي ألا تكبل طاقاتي وإنتاجيتي بجهلك وطغيانك، وتكرهني على ما لا أؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاقيات، لا تجبرني على تغيير مسار أفكاري بما اعتقد به، ماهية الحرية وجوهرها في ربط وجودها بمجموعة من المفاهيم والتعابير التي تتعلق بصيغ الوجود وطرقه.

إن الحرية تُصَمم بما نعتقد ونؤمن به، فهي تصميم أخلاقي وفقاً لمعايير الخير، الحرية والتحرير هي أن تجعلني اختار ولا تسيرني بما أنت تختار، فهي القدرة على الاختيار بين الممكنات بما يحقق الإنسانية، من خلال احد مقومات الشخصية ألا وهي الحرية، اجعلونا أحراراً بالتزامنا بالنظام العام، متزامنا مع قنوات مفتوحة للتعبير عن الرأي بسعة أفق تشمل احترام التعددية في الآراء المتعلقة بمصلحة المجتمع.

لا تجعلوا حريتنا حرية سالبة مسلوبة الإرادة بتقييد أفكارنا وطموحاتنا، بقمع وكبت رغباتنا، من أجل تحقيق مآربكم، لكل فرد من أفراد المجتمع حرية داخلية خاصة مرتبطة بإمكاناته وقدراته، من يستطيع أن يقيد ويغلل أجسادنا، فلن ولم يستطع تقييد قدرتنا على التقرير والاختيار وتعيين ورسم حياة أوطاننا.

نحتاج إلى حفر معرفي بمفهوم الحرية إلى عمق حقيقة الحرية، للتخلص من التبعية العمياء بعقلانية ومنطقية، وذلك بالتحرر من العقائد المتحيزة المتطرفة، بتوافق الفكرة المذهبية مع رؤية الفرد، بما يعتقد به من مبادئ وقيم وأخلاقيات، وبتثقيف الأفراد بمفهوم الحرية الحقيقي الذي هو: أن الحرية هي جزء من الفطرة البشرية فهناك أنفة طبيعية عند الإنسان لعدم الخضوع والرضوخ والإصرار على ما يتعارض مع فطرته الجبلية في امتلاك زمام القرار في ما يعتقد به من أفكار ورؤى ومبادئ، ولن يجيز أي كائن كان بتقييد حرية روحه بمشاعر وعقله بأفكار تملى عليه.

لا يفهم من سطورنا السابقة أننا ندعو لدولة الغاب، بل ما نرمي له هو دولة القوانين الفعلية لا الشكلية، أي بتنظيم وتفعيل القوانين بما يتوافق مع طموحات الشعب، وينسجم مع توجهاتهم ومدارسهم الفكرية، وبما يحقق ويحرز العدالة والمساواة بتطبيق القوانين دون تمييز، على الحاكم قبل المحكوم، وعلى الرئيس قبل المرؤوس، وعلى التاجر قبل المستهلك، وعلى الثري قبل الفقير، بالعزف على أوتار الحرية والاستقلالية والتخلص من عبودية تفضيل وتمييز فرد على آخر ومكيال حرية الأفراد بمكيالين، من دون موازنة وإقساط وعدالة لجميع أفراد المجتمع بالمسطرة نفسه وباستقامة الصراط.

كلماتي لا تدعو للحرية على إطلاقها، بل تدعو إلى تحرير الإنسان من بنيات اجتماعية غير متطورة، كالثقافة اللاعقلانية المنتشرة عند الكثير، كأن يكون لسان حال البعض لا تتدخلوا في إرادتي حتى وإن كان هذا التدخل هو حماية الآخرين من تصرف لا مسؤول صادراً بحجة الحرية والتحرر وكسر القيود التي تتصادم مع مبادئ الدين والأعراف والعادات والتقاليد، بل على العكس كلماتي تدعو إلى الحرية المؤطرة بأطر راسخة متجذرة منذ آلاف السنين، لم يبق إلا إنْ نقول أنَّ للحرية ضريبة وجزية يجب على كل فرد أن يدفعها، وما تلك الضريبة إلا الحرية بذاتها.





منى فهد العبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib