عبد الرحمن عبد المولى الصلح / الرئيس شهاب ... والمشير الطنطاوي!

1 يناير 1970 07:22 ص
كان من المتوقع أن تندلع المواجهات الأخيرة في ميدان التحرير في القاهرة والتي أدّت الى مقتل 30 مواطناً وجرح ما يزيد على الألف، بسبب الاحتقان في النفوس، وخيبة الأمل من تصرفات المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية برئاسة المشير حسين طنطاوي. صحيح ان المجلس أعلن رغبته بتسليم السلطة إلى المدنيين، ولكنّ الصحيح أيضاً، أنه رغب، ولا يزال، في البقاء في السلطة ولو في الظل. ذلك أن تركيبة المؤسسة العسكرية وثقلها، منذ أنّ دشنّ الرئيس الراحل عبد الناصر حكم العسكر في مصر (وغيرها من البلدان العربية...!) في الحياة السياسية المصرية، لا تسمح بتنازل العسكر عن دورهم في إدارة البلاد. وللتذكير، فقط، فالمؤسسات التابعة للجيش المصري تشكل 30 في المئة من الاقتصاد القومي المصري ونفوذه يمتد الى مختلف القطاعات. في مقابلة أجراها محمد أبي سمرا مع المؤرخ المصري خالد فهمي («النهار» 31/7/2011) والذي يُجري دراسات حول الجيش المصري منذ محمد علي، يؤكد فهمي أنّ أربعة ضباط من المجلس العسكري متورطون في صفقات أسلحة، ويشير الى أنّ العسكر يشكلون «لوبي» يعمل أعضاؤه لحماية بعضهم البعض. في هذا الصدّد، يجدر التذكير، بأنّ هنالك اتجاهاً لإطالة محاكمة مبارك لحين وفاته. ذلك أنّها ستكون سابقة خطرة أن يُدان ضابط سابق في الجيش المصري. ثمة أكثر من مؤشر لنية العسكر في الاستمرار في الحكم (1) الزيارة الميدانية التي قام بها طنطاوي بلباس مدني في شوارع القاهرة منذ شهر وكأنه يُمنّي نفسه بالرئاسة (2) فرض العسكر مبادئ دستورية تجعل من المؤسسة العسكرية مؤسسة مستقلة لا تخضع لأي مساءلة أو تدقيق. وهذا بالطبع، لا يستقيم في حكم مدني سلمي. (3) استمرار إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية.

إذا، فالصراع الدائم هو بين تشبث العسكر المصري بالسلطة وبين مجتمع مدني يُحارب أي تشويه لحكمٍ مدني مؤسس على توزيع السلطات كما هو متبع في أي حكم ديموقراطي صحيح. ومن المؤسف أن «الأخوان المسلمين» في مصر يداهنون الحكم العسكري وهم الذين ذاقوا الأمرّين من ممارسات الحكم العسكري السلطوي. فلا مفرّ إذاً للتيار الليبرالي أن يصمد ويناضل لحكمٍ ديموقراطي لا تشوبه شائبة.

تشبث العسكر في مصر بالحكم، أعادني بالذاكرة الى الراحل الكبير الرئيس الأمير فؤاد شهاب (وهو يستحق كل هذه الألقاب بجدارة). هو العسكري/الديموقراطي، كما وصفه غسان تويني، الذي احترم الدستور فرفض تمديد ولايته عام 1964 وحرص على تنفيذ ما جاء به «الكتاب» ولم يحد عن تطبيق القوانين قيد أنملة. واحترم الأصول الديموقراطية، بالرغم من بعض الشوائب التي رافقت حكمه السليم والحكيم. وللتذكير فقط، فإنّ الجيشين التونسي والمصري بعدما يُقارب الستين عاماً، حذوا حذو الرئيس شهاب، حين وقف على الحياد في انتفاضة عام 1952، والتي كانت أول انتفاضة تسقط رئيساً عربياً (بشاره الخوري) بالطرق السلمية.

ليت الطنطاوي، يتبنى ما جاء في خطاب اليمين الدستوري (23/9/1958) للرئيس شهاب: «بين مركز قيادة الجيش حيث الصمت رفيق الواجب، ومنبر هذه الندوة حيث الكلام هو السيد...».

رحمات الله عليك، فخامة الرئيس!





عبد الرحمن عبد المولى الصلح

كاتب لبناني