الأزمة التي تمر بها البلاد من تشنج ومدافعة بين المعارضة والحكومة، والوضع المؤلم الذي تعيشه بعض الدول العربية من تسلط أنظمة ظالمة لا تحقن دما ولا تصون عرضا، يدفع كثيرا من النفوس إلى اليأس القنوط من انفراج الأمور، وفي هذه الأجواء ما أجمل أن يتأمل المرء سيرة خير البشر وخصوصا مع مرور ذكرى هجرة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
تُعلمنا الهجرة أنه مهما حاول أهل البغي والظلم التغلب على الحق والقضاء عليه فإن ذلك محال، لقد أحاط المشركون ببيت النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الهجرة، وتجمعوا حول الغار، ولكن الله تعالى أنقذ نبيه وأخرجه من بينهم سالما، بل إن الله تعالى نصره بأضعف مخلوق وهو بيت العنكبوت، وكم في ذلك من دلالة على أن لله جنودا لا يعلمها إلا هو، وأن من حفظته عناية الله فليس عليه أن يخاف من أحد.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم
فالحوادث كلهن أمان
الهجرة تعلم صاحب الحق أن يمضي في طريقه لا يلتفت لمن يريدون إعاقته عن إكمال مسيرته، ولذلك لم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بن مالك رغم اقترابه منها للقضاء عليها ولكن الله تعالى حفظه ورد كيد من أراد إلحاق السوء به، ومن الجميل أنه في هذا الوقت العصيب، أن ينقلب العدو إلى صديق، فبعد أن استسلم سراقة للنبي عليه الصلاة والسلام بعد أن عجز فرسه عن متابعة ملاحقة النبي صلى الله عليه وسلم حين ساخت أقدامها في الرمال، أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالحصول على سواري كسرى، وهذا ما تحقق في عهد عمر بن الخطاب بعد فتح بلاد فارس.
كثير منا يريد الإصلاح والتغيير، والسؤال الذي يطرح نفسه هل بذلنا الأسباب لذلك؟، النبي عليه الصلاة والسلام بذل كل السبل الكفيلة لنجاح رحلة الهجرة من إعداد الراحلة، والخروج ليلا، وتغيير الطريق، والاختباء في الغار، واستئجار الدليل، فيا من تريدون التغيير ماذا قدمتم، وهل بذلتم أسبابه؟
من أبلغ دروس الهجرة حرص النبي عليه الصلاة والسلام على تقوية الجبهة الداخلية للدولة، ولذلك حرص على المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، واستطاع تأليف القلوب بين الأوس والخزرج بفضل الله تعالى، ومن المعلوم أنه ما من دولة تريدون أن تواجه أي أخطار خارجية إلا من خلال تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها، وما يؤسف له ما نراه من تمزق بين أفراد المجتمع الواحد، من خلال دعوات طائفية وعنصرية تسعى للتفرقة بين أبناء المجتمع، غذتها قنوات أقل ما يقال عنها انها فاسدة، ونحن من هذا المقام نهيب بكل من له سلطة على هذه القنوات سواء سلطة تملك، أو سلطة قانون أن يوقف ما يثار في هذه القنوات من فتنة، فما يحيط بالبلد من أزمات وما تعيشه المنطقة من توتر يحتاج منا أن نسعى لتآلف القلوب وتصفية النفوس، فهل من مجيب؟
أعجبني أحد الأخوة النواب عندما تحدثت معه حول الأوضاع المحلية وشدة حال الاحتقان بين الحكومة والمعارضة فوجدته متفائلا إلى درجة عالية ما أسعدني وتمنيت لو نعيش جميعا بهذه الروح والنفسية.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Twitter : @abdulaziz2002
[email protected]