سلطنة عُمان... 41 عاماً من النهضة

1 يناير 1970 07:18 ص
| بقلم السفير سالم بن سهيل المعشني * |

من المعروف والراسخ منذ الازل ان هناك في حياة الشعوب على اختلافها وتنوعها اياما مشرقة تسكن في الذاكرة والوجدان على الدوام، وهناك مناسبات تستوطن الافئدة والقلوب على مر السنين والازمان يسطرها التاريخ بأحرف من ذهب فتشع نورا يتلألأ عاليا في الافق ليعبر عن طموح تحقق وامل منشود لمستقبل بهيج، ومن هذه المناسبات الخالدة التي يحتفل بها الشعب العماني سنويا والتي احتلت مكانتها اللائقة في قلوبنا وافئدتنا جميعا كمواطنين عمانيين العيد الوطني الحادي والاربعون المجيد لسلطنة عمان والذي يوافق الثامن عشر من نوفمبر من كل عام حيث تكتسي عماننا بثوب الفرح والسعادة من اقصاها الى اقصاها لتعبر عن ارادة قائد عظيم تعهد بإقامة الدولة العصرية منذ اللحظة الاولى لفجر النهضة المباركة وبذل جهودا جبارة في شتى المجالات لتحقيق هذه الغاية السامية ووجد شعبا مخلصا منحه الثقة والموالاة بكل تفان فكان ذلك من اهم ركائز التقدم والنمو والازدهار الذي تم لبلادنا الغالية كما انه اساس التطور لأي دولة وفي اي مجتمع.

وانطلاقا من موقعنا في بلدنا الشقيق الكويت فإننا ننتهز هذه المناسبة لنتشرف برفع اسمى آيات التهاني والتبريكات الى باني نهضة عمان الحديثة ورمز عزتها وكرامتها السلطان قابوس بن سعيد المعظم، متضرعين الى المولى جلت قدرته ان يعيدها على جلالته اعواما كثيرة وازمنة مديدة بموفور الصحة والعافية والعمر المديد وعلى الشعب العماني الابي بمزيد من الازدهار والسؤدد.

واذ نحمد الله سبحانه وتعالى حمدا كثيرا مباركا على عظيم نعمه وتوفيقه لكل ما تحقق لنا بفضله جل وعلا من تنمية شاملة مهدت لإقامة الكثير من المشروعات الاقتصادية والتجارية والصناعية التي اعتمدت على بنية اساسية سليمة اتاحت المجال بلا شك لما تزخر به السلطنة من منشآت تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة، وكذلك تطور عمراني في مختلف المدن والقرى على امتداد الساحة العمانية، فإننا نؤمن كمواطنين بأن الحفاظ على هذه الانجازات يجب ان يبقى دوما هو الهدف الاسمى الذي نسعى اليه جميعا وانه لابد ان نضعه في المقام الاول وقبل اي هدف آخر لأن ما لا يفيدنا مجتمعين لن يفيد اي منا منفردا، كما اننا نعلم يقينا بأن استمرار رفعة الوطن لا تتحقق الا بمزيد من العطاء والعمل الدؤوب والمتواصل سعيا لإنجاح الخطط الرامية لدعم الامكانات المتوافرة بما يخدم الصالح العام في الداخل ويرتقي بمكانة السلطنة ومنزلتها الاقليمية والدولية في الخارج وان هذا لا يأتي الا من خلال التعاضد والتكاتف بين جميع الجهات المسؤولة حكومية وخاصة وعبر تبادل الرأي والمشورة ليؤدي كل في موقعه الدور المنوط به حيث يقع على عاتق كل مواطن مسؤولية العمل المكلف به.

وفي هذه الأيام المفعمة بمشاعر الغبطة والسرور حيث نحتفل باعيادنا الوطنية وبمناسبة مرور واحد واربعين عاما على مسيرة نهضتنا المباركة وتجربتنا الرائدة التي نفخر بها امام الملأ، يهمنا ان نتحدث عن السياسة الداخلية للسلطنة لاسيما تجربة الشورى العمانية ونهجها المتدرج المتبع لضمان التطور الطبيعي بما يواكب حاجات المجتمع وتطلعاته نحو مزيد من المشاركة في صنع القرار سواء من خلال اسلوب الحوار الراقي والبناء الذي اعتاد السلطان المعظم على اتباعه الى يومنا هذا مع ابناء شعبه من خلال جولاته السنوية التي تشمل جميع ربوع السلطنة بهدف تبادل الآراء وسماع المقترحات الشعبية، او من خلال ما تم ترجمته في اطار الدولة العصرية الحديثة الى مؤسسات حكومية منها (مجلس عمان) الذي تم منحه صلاحيات موسعة هذا العام 2011 في المجالين التشريعي والرقابي سواء فيما يتعلق بحقه في استجواب الوزراء واحالة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة الى المجلس لاقرارها او تعديلها بالاضافة الى مشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة ابرامها او الانضمام اليها لابداء مرئياته بشأنها، وذلك املا باحداث نقلة نوعية للعمل الوطني في المرحلة المقبلة.

ولا يخفى على المراقب والمهتم بمتابعة الشأن العماني، ان العمانيين يمتلكون ارثا حضاريا وتاريخيا مشرفا وانفتاحهم على الحضارات الاخرى ليس وليد الساعة فهم معروفون بانهم صناع حضارة ولديهم طاقات ومهارات وموارد وامكانات احسنوا استغلالها مستندين الى الرؤية المستنيرة لقائدنا العظيم الذي جدد لنا خططاً ناجحة وبرامج فعالة امتثل العمانيون لتنفيذها بكل جد واجتهاد وشمروا عن سواعدهم حبا في الوطن ورغبة في التطور الذي هو سنة من سنن الحياة، لذا فان مواكبتهم لتطورات العصر الحديث واستفادتهم وافادتهم لغيرهم كان امرا بديهيا فهم بحكم تواصلهم مع الحضارات الاخرى عبر البحار والمحيطات قديما وتعاونهم مع جيرانهم من الشعوب الاخرى واصدقائهم في الدول القريبة والبعيدة لتبادل المنافع المشتركة يعد مؤشرا بليغا على طبيعة الانسان العماني المنفتح على الحياة والذي حظي باهتمام وعناية السلطان المعظم، فقد اكد جلالته في خطابه الاخير اثناء افتتاح مجلس عمان 2011 على ذلك قائلا « لقد اكدنا دائما اهتمامنا المستمر بتنمية الموارد البشرية وذكرنا انها تحظى بالاولوية القصوى في خططنا وبرامجنا فالانسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل انواع التنمية»كما شدد جلالته في خطابه ايضا على اهتمامه بالشباب قائلا «ولما كان الشباب هو حاضر الامة ومستقبلها فقد اوليناهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار اعوام النهضة المباركة» ومن هذا المنطلق بين جلالته ان «الحكومة سعت الى ان توفر للشباب فرص التعليم والتدريب والتأهيل والتوظيف وستشهد المرحلة المقبلة اهتماما اكبر ورعاية اوفر تهيئ مزيدا من الفرص للشباب من اجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة وتقوية ملكاته في الابداع والانتاج وزيادة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة» وكان لافتا خلال المرحلة الماضية ان الكثير من المشروعات العمرانية والاقتصادية والتجارية والصناعية استوعبت الكثير من الايدي العاملة الوطنية فيما اثبت القطاع الخاص تعاونه في تحمل المسؤولة وكان له دور ملموس في التعاون مع الحكومة في دعم جهود التنمية لاسيما ان حكومتنا بذلت من جانبها جهودا حثيثة لتنفيذ توجيهات جلالة السلطان المعظم السديدة خلال الفترة القريبة الماضية في توظيف الالاف من المواطنات والمواطنين من فئة الشباب في القطاعات المدنية والامنية والعسكرية.

ولما كان احتفالنا بمناسبة العيد الوطني الـ 41 - المجيد يعد تعبيرا عن فرح شعب ومجتمع بأكمله فإنه لابد لنا هنا من التأكيد على ان هذه الاحتفالات والافراح لا تأتي من فراغ ولكنها ترسم صورة واضحة لما تنعم به البلاد من امن وامان واستقرار، حيث كفلت قوانين الدولة وانظمتها لكل مواطن احد اهم اسباب الاستقرار وهي حرية التعبير والمشاركة بالافكار البناءة في تعزيز مسيرة التنمية ذلك ان قائدنا أكد مرارا انه يؤمن بأهمية تعدد الآراء، وأشار الى ذلك في خطابه الاخير قائلا «نحن نؤمن دائما بأهمية تعدد الآراء والافكار وعدم مصادرة الفكر لأن في ذلك دليلا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والافكار بما يخدم تطلعاته الى مستقبل اسعد واجمل» لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة غرس القيم الرفيعة في نفوس النشء منذ الصغر قائلا: «لقد فطرنا في هذا البلد ولله المنة والحمد على السماحة وحسن المعاملة ونبذ الاحقاد ودرء الفتن والتمسك بالاعراف والقيم القائمة على الاخاء والتعاون والمحبة، واننا نؤكد على ضرورة ان تغرس هذه السجايا الحميدة والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة اظفارهم في البيت والمسجد والمدرسة وغيرها من محاضن التربية لتكون سياجا لهم من التردي في مهاوي الافكار الدخيلة التي تدعو الى العنف والتشدد والكراهية التي تؤدي الى تمزيق المجتمع واستنزاف قواه الحيوية» مؤكدا على رفض المجتمع العماني لأية دعاوى لا تتفق وطبيعته المعتدلة، وهو بذلك يوجه الجميع توجيها ابويا قيما يحظى باهتمام المواطن العماني اينما كان ويضعه نصب اعينه حفاظا على وطننا الغالي وابنائنا الاحباء وثرواتنا التي نحمد الله عليها حمدا كثيرا مباركا.

كما حظي القضاء العماني باعتباره احد اعمدة البناء السليم للمجتمعات المستقرة والامنة باستقلالية لا غبار عليها واحترمت قراراته بلا محاباة، فكان الجميع امام القانون سواء والعدالة تأخذ مجراها تحت مظلة القانون، وذلك التزاما من السلطان الذي اكد على ان هذا الامر واجب لا يمكن التغاضي عنه كي لا يتسرب الفساد الى العمل الحكومي وبقية مؤسسات وادارات الدولة المختلفة.

وعلى صعيد السياسة الاقتصادية فإن السلطنة على الرغم من الازمات التي تجتاح العالم وما تشكله من صعوبة في التنبؤ بحدودها ومداها الزمني وانعكاساتها السلبية على اقتصادات الدول، انتهجت سياسات اقتصادية متوازنة حفاظا على ما تحقق من مكتسبات ودعما للخطط الانمائية في مجالاتها المتعددة لضمان استمرار تنمية الموارد الطبيعية والبشرية ونشر العلم والثقافة والمعرفة في المجتمع وتوفير الامن والاستقرار بما يكفل العيش الكريم لكل المواطنين.

ويستطيع الزائر لبلادنا التعرف على شواهد نهضتنا المباركة خصوصا فيما يتصل بقطاع السياحة حيث تمتلك السلطنة جميع مقومات السياحة الناجحة فهي تمتاز بطبيعتها الخلابة وبيئتها النظيفة وجوها المعتدل، كما انها تمتلك الكثير من المعالم السياحية الحضارية والتاريخية، وقد حرصت الدولة في اطار دعمها لهذا القطاع المهم على اقامة المهرجانات السياحية سنويا والتي تشتمل على الكثير من الفعاليات الادبية والفكرية والثقافية والاجتماعية بالاضافة الى النشاطات الفنية والرياضية والترفيهية.

وفيما يتصل بالسياسة الخارجية عرفت السلطنة دائما بانتهاجها سياسة واضحة المعالم تقوم على اساس التعاون مع الجميع وفق مبادئ ثابتة تتمثل في الاحترام المتبادل وتشجيع لغة الحوار ونبذ العنف في معالجة الامور وصولا الى مجتمعات يسودها التأخي والاستقرار مما يكفل للشعوب الامن والامان لمواصلة مسيرتها التنموية وانجاز اهدافها في التقدم والرخاء وهي تدعو في سياستها هذه دوما الى التفاهم بين الحضارات الامر الذي جعلها تكتسب احترام وتقدير المجتمع الدولي حيث فازت بالمراكز المتقدمة عالميا في التقارير التي تصدرها المؤسسات العالمية المختصة حول الامن والسلام والاستقرار وفي تعزيز التفاهم الدولي والصداقة بين الشعوب وكذلك في التنمية الاجتماعية والحرية الاقتصادية.

وقد ادت ترجمة هذه السياسة عمليا الى بناء صداقات مع مختلف الدول والشعوب في معظم ارجاء العالم بينما كان للعلاقات الاخوية مع الاشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي نصيبها الاوفر من الاهتمام وهي تسعى دائما لدعم التعاون والعمل المشترك وتهيئة مناخ افضل لتطوير العلاقات الخليجية - الخليجية والخليجية - العربية والاسلامية ومع مختلف دول العالم تحقيقا للمصالح المشتركة والمتبادلة مع دول العالم قاطبة.

واذا كان لنا ان نتطرق الى العلاقات الثنائية بين السلطنة ودولة الكويت فانه انطلاقا من الحرص الدائم والمستمر من قبل الزعيمين الكبيرين السلطان قابوس بن سعيد واخيه سمو الشيخ صباح الاحمد امير الكويت على بناء علاقة تتميز بالخصوصية قوامها الاخاء والمودة بعيدا عن المجاملات المعتادة بين الدول والشعوب وارتقت العلاقات الثنائية العمانية الكويتية الى المستوى المنشود وحققت تطورا ملفتا في جميع المجالات ووصلت الى ذروة نشاطها، وذلك بفضل توجيهاتهما السديدة في العمل على كل ما من شأنه تعزيز وتفعيل جميع الجوانب التي تهم البلدين والشعبين، وتتويجا لهذه العلاقة المتميزة فقد شهدت الفترة القليلة الماضية زيارات خاصة متبادلة بين السلطان قابوس وبين اخيه حضرة صاحب السمو أمير الكويت.

والمتابع لتلك العلاقات يجد أنها اثمرت نسبة عالية من التقارب والتعاون على جميع المستويات وفي جميع المجالات تحت اشراف «اللجنة العمانية - الكويتية المشتركة» برئاسة وزيري خارجية البلدين، فقد عقدت اللجنة اجتماعها السنوي هذا العام في السلطنة وتم البدء بتفعيل الكثير من الاتفاقيات التي تمت بينهما حيث تعمل اللجنة المشتركة دائما وبصفة مستمرة على تعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات التجارية والصناعية والثقافية والعلمية والسياحية وغيرها من المجالات الأخرى ومنها مجال البحث العلمي والتعاون الفني والاعلامي، وفي مجال النفط والغاز وكذلك مجال التنمية الاجتماعية والقوى العاملة ومجالات الخدمة المدنية والتنمية الادارية والحكومة الالكترونية، وحماية البيئة البحرية ومكافحة التلوث وحماية الموارد الساحلية.

أخيرا... يسعدني في هذا المقام التوجه بالدعاء الى الله العلي القدير ان يحفظ اوطاننا جميعا وان يحفظ لعمان قائدها المفدى السلطان قابوس بن سعيد وان يحفظ الكويت حكومة وشعبا تحت راية اميرها الحكيم سمو الشيخ صباح الأحمد وان ينعم على جميع الشعوب الشقيقة والصديقة بنعمة الأمن والأمان والرخاء الدائم.



• سفير سلطنة عُمان لدى الكويت