من منا لا يعرف أهمية الصدق والوفاء واليقين والاستقامة في حياة الفرد، من منا لا يجتهد لصنع ذاته، وإيجاد شخصية شديدة التفرد والتميز، من منا يكره النجاح وتحقيق الطموحات والأهداف، من منا لا يرابط ويكابد لوضع خطة استراتيجية لحياته وفق معايير ومقاييس مثالية تعينه على تحقيق أهدافه، وتُسير وتنظم حياته؟
بعد أن كتبت مقدمتي البسيطة، بمعنى السهلة المنبسطة بالصياغة، الواسعة بالمعنى، سأوجه مقالي هذا، لفئة تشكل من المجتمع الكويتي... ما يقارب 36 في المئة، وهم من المتقاعدين لأسباب صحية أو متقاعدين لانتهاء المدة الوظيفية.
رسالتي إلى كل متقاعد ومتقاعدة، تخلص من التهميش فوراً، لا تجيز لأحد أن يهمشك، ويجعلك على حاشية المجتمع، ولا تبيح لأحد أن يجعلك شماعة يعلق عليها مفاهيم الخمول والتثبيط، بل اجعل حماسك وطاقتك هي من تتحدث عنك وتقول: لن أهدأ أو أستريح أو استرخي أو أصمت أو أستسلم، بل إن التقاعد وترك الوظيفة يجعلني ازداد قوة وحيوية وحماساً، لانطلق في المجتمع في مجالات عدة، وليس فقط مجال العمل المقيد بالروتين الاستقراطي الممل، واعمل جاهدا لتغيير نظرة المجتمع عن الفرد المتقاعد إلى أن يقول لسان حالك «لا أستطيع أن أرى نفسي تتوقف عن شيء».
تطلع إلى كل ما هو جديد من منظور ثقافي مجتمعي، وألعب دوراً إيجابياً في حياة أفراد المجتمع، ولكي لا تكون شخصا عاديا تقليديا في المجتمع، عليك بالتخلص من الأفكار السلبية، وردود الأفعال السلبية، واليأس، والقنوط، والانهزامية، وتؤمن بقناعة أنك قادر على الانجاز والعطاء، وأنك أفضل من أشخاص يمتلكون وظائف ومناصب عالية مرموقة، وفي المقابل يمتلكون عقولا تافهة، ويفكرون بأفكار تافهة، متواضعة، لا تضفي ولا تضيف للمجتمع إلا التعاسة والتراجع والتقهقر والانحدار.
إن الله سبحانه وتعالى خلق فينا الإرادة والرغبة، فاستغلها بالصعود على سلم القمة درجة تلو الأخرى، بالصدق والإخلاص والاستقامة والحب حتما ستصل، ولن يأتي هذا كله إلا بعد أن تصور ذاتك بصورة إيجابية، بحيث يكون جوهر شخصيتك مؤثرا في جوانب السلوك الإنساني، وقادرا على النمو والتغيير، لتعد للنجاح في حياة التقاعد، وقبل أن تبدأ بارتقاء درجات السلم إلى القمة عليك بتجنب «تصلب المواقف الفكرية»، حتى تتمكن من قبول ذاتك وواقعك، وتقبل حقيقة أنك تستحق النجاح والسعادة في حياة ما بعد الوظيفة، عليك بتحفيز نفسك، وضع أهدافك لتنطلق بأفكارك التي من خلالها تحرز مقصدك وتشبع رغباتك.
وهنا أقول لكل متقاعد أنصف نفسك، ولا تقارنها بمقارنة غير واقعية وغير عادلة، وهي مقارنة حياة الوظيفة وحياة ما بعد الوظيفة، فأنت تمتلك من الخبرات والمهارات والإمكانات التي تمكنك من شق طرائق إثبات وجودك في المجتمع، وتبرهن للجميع بأن لديك منتج وسلعة غالية لن تبور، وقادر على تقديم خدمة مميزة تتجاوز مبادئ الإدارة إلى مبادئ التطبيق العملي، تكيف مع واقع التقاعد الذي هو ليس نهاية عالمك الوظيفي، باستطاعتك أن تمارس وظائف عديدة في المجتمع، إما تطوعية أو مأجورة، وستدرك إدراكا كاملا أنه لا أحد على سطح الأرض يجعلك تشعر بالدونية من دون أن تسمح له وتعطيه تصريحاً بذلك بعد تركك للوظيفة الحكومية.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib