رموز مصرية / مكرّم عبيد باشا... أشهر خطيب في العصر الحديث

1 يناير 1970 02:17 م
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |

«اللهم اجعلنا نصارى لك وللوطن مسلمين.. واجعلنا مسلمين لك وللوطن نصارى»، هكذا أطلقها مكرم عبيد باشا مدوية فقد كان يؤمن أن مصر هي التي يجب أن ننصرها وألا نسلمها لأحد.. فمصر للمصريين وقد أثبت ذلك أن نسيج الأمة المصرية واحد ومن يريد الوقيعة فإنه سيخرج مدحورا ولن ينال إلا الخذلان، فمكرم عبيد لم يسأل أحدا عن كونه مسلم أم مسيحي بل كان مصريا وهذا ما يدركه كل وطني محب لمصر.

ويعد مكرم عبيد أشهر خطيب في التاريخ السياسي المصري الحديث. وقد وُلد في 25 أكتوبر عام 1889 بمحافظة قنا، لعائلة من أشهر العائلات القبطية وأكثرها ثراء، وقد درس القانون في أكسفورد، وحصل على ما يعادل الدكتوراه في عام 1912. وهو وزير مالية مصر الأسبق وأحد مفكري مصر في حقبة الخمسينات، وهو الرجل الوحيد الذي شيّع جنازة الشيخ حسن البنا بجانب والده بعد أن منع البوليس السياسي آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة.

و كان وفديا ومقربا من سعد زغلول باشا وعندما توفي... أصبح مكرم عبيد باشا سكرتيرا لحزب الوفد. ففي عام 1913 عمل سكرتيرا للوقائع المصرية، واختير سكرتيرا خاصا للمستشار الإنكليزي طوال مدة الحرب العالمية الأولى، ولكن بسبب كتابته رسالة في معارضة المستشار الإنكليزي «برونيات» شارحا فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنكليز، استغنوا عنه. فعُين أستاذا في كلية الحقوق وظل بها عامين كاملين.

وفي عام 1919 انضم إلى حزب الوفد وعمل في مجال الترجمة والدعاية في الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنكليزي وكانت له دعاية نشطة في إنكلترا وفرنسا وألمانيا، ولما نُفي سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات ما تسبب في القبض عليه ونفيه.

وفي عام 1928 عندما شكل النحاس وزارته عين مكرم وزيرا للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية شعبية وحظوة لدى الشعب. وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيرا للمالية، وشارك في الوزارات الثلاث التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.

وكان عندما يختلف سعد مع عدلي يكن حول مشروع ملنر، ينفض السبعة المسلمين من حول سعد ولا يبقى معه متمسكا بالحق الوطني غير واصف غالي وسينوت حنا بك. وعندما ينذر زغلول بضرورة إيقاف نشاطه أو النفي عام 1921، لايرفض الإنذار غير مصطفى النحاس باشا وويصا واصف وسينوت حنا وواصف غالي ومكرم عبيد.

وهذا ما سجله التاريخ، فإن شهود العيان لم يروا منذ الأربعينات غير شعب واحد مناضل ضد القهر الاستعماري والظلم الطبقي. بهذه الوحدة الوطنية انتصرت ثورة يوليو وتحقق الجلاء لتردد سماوات مصر «الله أكبر» وتدق أجراس الكنائس في إيقاع متجانس وليعم البلاد، من ساحل البحر إلى أقصى الجنوب، شعار «الدين للديان والوطن للجميع». وعندما توفي سعد أصبح مكرم عبيد باشا سكرتيرا لحزب الوفد الذي كان يعرف كل صغيرة وكبيرة للحزب وأصبح مصطفى النحاس رئيسا لحزب الوفد الذي تزوج من زينب هانم وفارق السن بينهما كان 33 سنة، ثم أزيح مكرم عبيد باشا وهو الشخصية ذات المكانة المهمة في حياة الوفد وسابقة على تجربة فؤاد سراج الدين.

وبالرغم من أن الفضل يعود لمكرم عبيد في ضم فؤاد سراج الدين للحزب، ومع أن مكرم عبيد فضلا عن دوره كان رجلا متميزا ثقافيا عن غيره، لكن كان لزوجة النحاس باشا دور أقوى من جميع المميزات التي كانت لمكرم عبيد، وتمكنت من إزاحة مكرم عبيد من قيادة حزب الوفد.. كي يصبح الطريق ممهدا لفؤاد سراج الدين باشا في خلافة النحاس، وقد أسس بعد خلافه مع النحاس حزب الكتلة الوفدية كما ألف الكتاب الأسود وفيه اتهم مكرم النحاس بالفساد وأخذ الرشاوى من الناس وعدم مراعاة مصالح الشعب كما اعتقله النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية.

عمل بالمحاماة، وكان محاميا ناجحا، ونذر وقته كله للدفاع عن المقبوض عليهم في تهم سياسية، ولاتزال أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة في مصر حيث كان يعتمد في دفاعه على التحليل المنطقي لدوافع الجريمة، وقد اختير نقيبا للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بالسب في الذات الملكية.

يُعد مكرم عبيد.. صاحب فكرة النقابات العمالية وتكوينها، وأول من وضع كادر العمال في مصر، وتوفير التأمين الاجتماعي لهم، ووضع نظام التسليف العقاري الوطني، كما أنه صاحب الأخذ بنظام الضريبة التصاعدية للدخل. ومن أبرز أقواله المأثورة قوله: «إن مصر ليست وطنا نعيش فيه.. بل وطن يعيش فينا». و«اللهم يا رب المسلمين والنصارى.. اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصارا، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين». وقد توفي في 5 يونيو 1961.