مسدس واحد بطلقات متشابهة لـ 11 جريمة انتهت برصاصة في الرأس
عملية أمنية «هوليوودية» في لبنان تقبض على «سفاح متجوّل» من 5 أشقاء
1 يناير 1970
10:20 ص
| بيروت - «الراي» |
... قاتِل متسلسل، أو مسلسل قتْل لأهداف «سياسية»، أم قتْلٌ للقتل؟
سؤال شغل لبنان أمس مع الإنجاز الأمني النوعي الذي حققته الاجهزة الامنية بكشف «سرّ» 11 جريمة حصلت منذ 9 سبتمبر الماضي واستهدفت 11 شخصاً (غالبيتهم من سائقي التاكسي) وكان آخرها قبل اربعة ايام، وهي الجرائم التي «حيّرت» اللبنانيين وزرعت الخوف في نفوسهم ولا سيما انها حصلت في بقعة جغرافية واحدة تمتدّ بين سن الفيل ونهر الموت (في المتن الشمالي) وتمت بسلاح واحد (مسدس عيار 7 ملم) وبطريقة واحدة (رصاصة واحدة خلف الأذن).
«قاتل واحد» هم 5 أشقاء من عائلة تانيليان اوقفهم فرع المعلومات التابع لقوى الامن الداخلي في محلة النبعة (الدورة) فجر امس في تطور كان كافياً لسكب «المياه الباردة» على قلوب اللبنانيين الذين «فركوا عيونهم» صباحاً على تقارير صحافية حملت عناوين «مخيفة» عن هذه الجرائم و«سفاح التاكسي».
وعلى الطريقة «الهوليوودية» دارت لعبة «القط والفأر» بين الاجهزة الامنية و«القاتل» الذي وقع في «الشباك» بعد عملية نوعية لم يكن اي لبناني يتصوّر حصولها الا في اشهر المسلسلات البوليسية.
وفي التفاصيل الرسمية لتوقيف الاخوة جورج، عزيز، مسيس، ميشال وموريس تانيليان، ان عناصر شعبة المعلومات وبعد حصول جريمة قتل البير النشار وشاكر عبد النور قبل اقل من شهرن عمدوا الى استئجار سيارات عمومية تابعة لمكاتب، حيث ارتدت عناصر المعلومات اللباس المعتمد بهذه المكاتب لمنع إثارة الشبهات، وبدأت تتجول في منطقتي المتن وكسروان ليلاً.
وفي منتصف الأسبوع الماضي، حصل عراك بين عنصر من «المعلومات» وشقيقين من آل تانيليان في منطقة كسروان، وقد تمكن العنصر الأمني المدرب من جرح أحدهما وأخذ عينة من الدماء حيث تم إخضاعها لفحوص (دي.ان.اي) مما سهل إلقاء القبض على الاخوة الخمسة وإجراء فحوص مخبرية لتأكيد ضلوعهم، فضلاً عن متابعات عبر الجهاز الخلوي الخاص بالعريف في الجيش زياد هاني ديب الذي قُتل ليل السبت الماضي والذي سلبه الجناة واستعملوه ما ساعد على تحديد اماكن انتقالهم ووجودهم.
ووفق المعلومات الاولية فان الإخوة تانيليان الذين يقطنون في محلة النبعة (الشعبية والفقيرة) مع والدتهم الكبيرة في السنّ، هم من جذور سوريّة وثلاثة منهم يحملون الجنسية اللبنانية، في حين لم تحسم التحقيقات اذا كان الخمسة متورطون في الجرائم الـ 11 علماً ان تقارير اكدت ان ميشال هو الاساسي في قضية الجرائم المرتكبة.
واشارت المعلومات الى ان سلاح الجريمة ضُبط في منزل «جزاري المتن» بعدما تم التاكد من ان الرصاصات التي يحتويها المشط مطابقة للتي استُخدمت في الجرائم (من خلال الرقم التسلسلي)، لافتة الى ان احد الاشقاء (عزيز) صاحب سيارة اجرة يعمل عليها، وهو ما قد يفسّر اختيار «الفريسة» من سائقي التاكسي.
وكان مسلسل القتل، الذي كان يفصل بين «جولاته» اسبوع او اسبوعان، بدأ في محلة ضبية وذهب ضحيتها سائق «تاكسي»، واظهرت كاميرا مثبتة في المحلة ان المغدور كان نائما على جانبه الأيمن داخل السيارة، فاقترب شخص منه وسحب مسدسا واطلق النار على رأسه من الخلف.
واستهدفت الجريمة التالية سائق التاكسي الياس عاصي (من مواليد دير الاحمر - في العقد الثالث من العمر) الذي نجا بأعجوبة. وروى أن شابين احدهما اسمر البشرة وطويل القامة قصير الشعر ويرتدي «جاكيت» أسود، والثاني ابيض البشرة وقصير وبدين طلبا منه ايصالهما الى بلدة غبالة (قضاء كسروان) فطلب منهما 50 دولار اجراً فدفعا له ما أراد، فجلس احدهما الى يمينه فيما جلس الثاني خلفه الى اليسار. وفي الطريق بين غدراس والكفور طلبا اليه التوقف في محلة مظلمة، «وما ان فتح الجالس الى يميني باب السيارة حتى شعرت بحرارة في رقبتي وضوءا لامعاً داخل السيارة ثم غبت عن الوعي». ويبدو ان عاصي نجا من الموت لأن الرصاصة انزلقت من أذنه الى حنكه وخرجت من فمه ولم تحطم جمجمته. ولكن القاتل ظنّ ان عاصي قد قتل. فتركاه وتواريا وانتقلا بسيارة عاصي الى سن الفيل حيث أوقفاها وفرا.
بعدها تم قتل سائق «تاكسي» سوري الجنسية حيث وجد في سيارته في محلة النبعة مصابا بطلق ناري في خلف رأسه، ولم يظهرانه قتل بدافع السرقة، اذ عثر في جيوبه على مبلغ من المال وكذلك وجد مبلغ آخر في جواربه فضلا عن وجود محفظته وهاتفه الخلوي.
وذهب شاكر عبد النور الرابعة ضحية الجريمة التالية في محلة سن الفيل - الجسر الواطي حيث تم إطلاق النار على رأسه من الخلف والقيت جثته تحت جسر انطلياس.
وفي الليلة نفسها جرى قتل البير رامز النشار (1959) وتبين انه اصيب بطلق ناري في رأسه ولم يقتل بدافع السرقة. وبعدها قُتل احمد حسين عبدالله في سد البوشرية بطلق ناري في الرأس، قبل ان يسقط أميكال اديس كوسين (سوداني) ضحية في محلة ضبية حيث وجد مصابا بطلق ناري في الرأس.
والسبت الماضي في سن الفيل ـ طريق النهر عُثر على العريف في الجيش هاني ديب (30 عاما) مقتولاً برصاصة في الرأس بعدما كان اوصله صديقه من آل معلوف من عاليه الى سن الفيل. وفي الليلة نفسها قُتل اغوب جرجي كريقوبيان الذي وجدت جثته امام كنيسة مار مارون في محلة الدورة مصاباً بطلق في الرأس ولم يظهر انه قُتل بدافع السرقة.
وبحسب متابعين للتحقيقات، فان كل الجرائم ارتُكبت بين منتصف الليل والثالثة فجراً، وان غالبية الضحايا هم من سائقي التاكسي كونهم ضحايا سهلة المنال ليلا، وان كل هذه عمليات القتل ارتكبت في منطقة المتن باستثناء واحدة في كسروان.
وفي حين تحدثت تقارير صحافية عن قاتل متسلسل رفضت مصادر امنية اخرى هذا الاستنتاج، معتبرة انه لو «كنا امام قاتل متسلسل لما اختلفت بعض الافعال الجرمية عن الاخرى، ولما كان كاتم الصوت استُعمل لأنه في مفهوم القاتل المتسلسل كونه مجرما نفسيا يطبّق الافعال نفسها على ضحاياه حتى أصغر التفاصيل ما يعني ان هذه الجرائم ليست جرائم متسلسلة بمعنى الجريمة النفسية واثبات الدافع اليها»، مرجحة تالياً ان هذا مسلسل هدفه البلبلة بدليل «ان الجرائم لم تُرتكب بدافع السرقة لأن غالبية المغدورين وجدت نقودهم في جيوبهم وهواتفهم في حوزتهم».< p>