حسين الراوي / أبعاد السطور / صفير القمم العربية!

1 يناير 1970 11:33 ص

قمة عربية تلوَ قمةٍ عربية والعرب مشكلاتهم منذ أعوام طوال هي ذاتُها مشكلاتهم لم تجد حلاً شافياً. وقمةٌ عربية تلوَ قمةٍ عربية والعرب لم تتكوّن بينهم أي وحدةٍ حقيقيةٍ سوى وحدة الدمع والألم!

لقد رسخ في ذهن المواطن العربي البسيط، فضلاً عن المواطن المثقف الواعي، أن تلك القمم العربية الدولية هي بالضبط كالمرأة العاقر التي لا يُرجى منها أي مولودٍ يبعثُ الفرحة في محيطه، حتى وإن حاولت هذه العاقر عبثاً أن تتقمص دور المرأة الحامل، وتعيش أجواء آلام الحمل وأجواء الوِحام وترقب الطلق. وهذا سببه أن تلك القمم لم تقدم شيئاً حقيقياً ملموساً للمواطن العربي، لأنها لم تقف على حقيقة معاناته واحتياجاته وحزنه وعذاباته، حتى بات المواطن العربي يعرف البيان الختامي للقمة العربية الجديدة قبل انتهاء مراسيم المؤتمر، لأنه في كل قمة جديدة يُكرر البيان الختامي السابق للقمة التي سبقتها، ولكن بصياغة جديدة مختلفة، أو بزيادة جديدة طفيفة لا تحرك ساكناً، كانت لكسر الروتين فقط!

الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج سئمت من أوضاعها القاسية، حتى أصبحت تعتق حزنها وتعصره وتشربه، بينما الشعوب الأخرى تعتق الرفاهية والتطوّر والحرية، فكم عاماً مضى وقممنا العربية التي عقدت لم تثمر لصالح المواطن العربي، ولو بحبة عنب واحدة أو كسرة خبز يابسة!

الفلسطينيون من عشرات الأعوام، وهم يبكون بلادهم دماً، العراقيون شبعوا من رؤية برك الدماء والجثث في شوارعهم، اللبنانيون تعبوا من تدمير بلادهم وإعادة إعمارها أكثر من مرة، المصريون زهقوا من الفقر ومن دجل الأحزاب، وشعوب دول المغرب العربي بكت كثيراً، واليمنيون ضجروا من حال بلادهم في عالمٍ متطورٍ متقدم، والسودانيون يعيشون مأساة الفقر والميليشيات المتنازعة، والليبيون ذاقوا العزلة والنبذ بسبب سياسة نظامهم، والصوماليون يشتكون التشرد والضياع والأمراض والأوبئة، والخليجيون يعانون من الطبقية ومن الفساد الإداري ومن الواسطة والمحسوبية وانتهاك حرمة القانون في الليل والنهار!

كم أتمنى، قبل أن تعقد القمة العربية المقبلة أن يُجرب أهل تلك القمم والقائمون عليها، أن يجلسوا مع المواطن العربي على الرصيف، وفي المقهى والأحياء الشعبية، ويستمعوا إلى حاجياته وأحلامه ومشاكله، وأن يأكلوا الخبز الذي يأكل منه الشعب، ويشربوا من الماء الذي يشربه، ويلبسوا الموديلات التي يلبسها، ويمروا بالقرى والحارات الفقيرة التي يسكنها فقراء الشعب، ويجلسوا على مقاعد الانتظار في محطات القطارات والباصات، وأن يقفوا في الطوابير المارثونية في المستشفيات والوزارات والبنوك وبقية الدوائر الحكومية، حينها ستضم ورقة البيان الختامي للقمة العربية المقبلة سطراً واحداً فقط: «نعم لقد كنا لأعوام طوال... نُغرد خارج السرب»!


حسين الراوي

[email protected]