عدم ربط المحلي بالإقليمي في التحليل السياسي لما يجري في ساحتنا المحلية في الكويت سوف ينتج عنه استنتاجات خاطئة أو ناقصة في أحسن الأحوال وستؤدي بالبعض لاتخاذ مواقف غير ناضجة قد تقودهم للاصطفاف في المكان الخطأ وضد متبنياتهم الوطنية... وينطبق هذا على السياسيين والإعلاميين والمواطنين العاديين.
عند مراقبة الساحة السياسية المحلية نرى بأن أغلب النواب المؤزمين وهم في خضم مقارعتهم للحكومة ولرئيس مجلس الوزراء بشكل خاص ينطلقون من خلال ارتباطاتهم بأجندات إقليمية، وقد تبين ذلك بوضوح في مقابلة تلفزيونية عرضت مؤخرا لأحد الأكاديميين المحليين المعروف بتقلباته الحادة بين الأجندات المتعارضة والذي يعتبر حاليا أحد الرموز المنظرة لهذا المعسكر التأزيمي، فقد تكلم في هذه المقابلة من دون مواربة عن أن المعارضة لرئيس الوزراء هي بسبب توجهاته في العلاقات الإقليمية التي يقيمها والتي تتعارض مع علاقات التأزيميين الإقليمية.
وبغض النظر عن صحة الادعاءات التي سيقت عن رئيس الوزراء وتوجهات سياسته الاقليمية فإنه من الواضح بأن الأجندة الإقليمية هي من يحدد بشكل أساسي حركة المعارضة التأزيمية ضد رئيس الوزراء والحكومة، وهذا يفسر الموقف من أي خطوات يقوم بها رئيس الوزراء وحكومته على الصعيد الداخلي حيث أنها لا تلقى أي صدى إيجابي ولو قليلا من قبل المؤزمين وذلك لأن مبتغاهم الحقيقي ليس التغييرات في الواقع المحلي التي يدعون علنا المطالبة بها، بل هم يستخدمونها كشماعة للضغط على الحكومة والحكم لتغيير النهج في توجهات السياسة الإقليمية.
ضغوط التأزيميين تسير بالوضع السياسي في البلد ليصل لمرحلة قريبة من هدم الهيكل على الجميع، وهو أمر واضح بحيث يستطيع تشخيصه حتى البسطاء من الناس حيث ونسمع ونرى ذلك في أحاديث الناس في دواوينهم وعلى التويتر والفيسبوك، وهذا التوجه الأخرق الذي ينتهجه التأزيميون لا يمكن أن يتم تبنيه ممن عنده خوف على الواقع البلد الداخلي، بل هو مؤشر واضح على أن من ينتهجه لا يرى في واقع الوطن والساحة المحلية إلا أداة يستخدمها لخدمة أجندة أخرى والتي هي بحسب تشخيص ارتباطات المؤزمين أجندة إقليمية... فهل يعقل وتحت أي حجة وطنية المنشأ أن تقبل أي شخصية وطنية بأن تصل الأمور في البلد لهذه الحالة التي تهدد كينونة النظام الديموقراطي برمته.
من الملاحظ بأن من أبرز المنخرطين والمتحمسين للنهج التأزيمي هم من أقل الأفراد التزاما واحتراما للنظام السياسي، ففيهم من لا يرى من الناحية العقائدية احتراما لرموز الوطن من علم ونشيد وطني، ولا يرى الديموقراطية سبيلا صحيحا للحكم، وهو يدخل البرلمان ليمثل الأمة من خلال أسلوب تمثيل فاسد نتيجة للانتخابات الفرعية المجرمة قانونا، فكيف يمكننا التصديق بأن يكون أمثال هذا في الصف المتقدم والبارز ممن يدافع عن هذا النظام السياسي الذي لا يؤمن به من الأساس، هذا بالإضافة إلى أن أمثال هؤلاء معروفة ومشخصة ارتباطاتهم الإقليمية مع جهات اعتبارية أو شخصيات نافذة.
إننا نود أن نكون واضحين جدا في تشخيصنا فنقول بأنه حتى أولئك الذين اصطفوا في بعض المواقف مع الحكومة، وكانوا قبل ذلك من المتذبذبين، أو كانوا في صفوف المؤزمين ثم غيروا مواقفهم، فإن جلهم هو ممن تم الإعلان عن تضخم أرصدتهم وحساباتهم البنكية المحلية بالملايين، مما يدل على أن معسكر التأزيميين جاذب لأمثال هؤلاء الذين تحدد مواقفهم بهذه الطريقة حيث تكون الحبوة عندهم للأكثر «كرما»... ونحن في حقيقة الأمر لا نعلم كم في حسابات المؤزمين الحاليين في البنوك الإقليمية من أموال، ولا كم من الهبات والعطايا العقارية وغيرها قد سجل بأسمائهم وأسماء ذويهم، حيث أنه من المستبعد بل ربما المستحيل الحصول على تعاون بعض الحكومات الإقليمية في تقديم معلومات تفضح حلفائها المحليين، فليس كل الحسابات والأملاك المتضخمة هي حسابات وأملاك محلية، ومن المنطقي استنتاج أن تضخم الحسابات المحلية هو محلي المنشأ، وأن الأموال والأملاك والهبات الإقليمية موجودة في بلد المنشأ التي لن يسمح بأن تصلها يد الرقيب المحلي.
من هذا المنطلق فإنه من المنطقي ألا يكون اصطفافنا في موضوع الحسابات المتضخمة المثار في الساحة السياسية هو اصطفاف خلف مجموعة المؤزمين الذين نعتقد بأن لأغلبهم حسابات متضخمة في بلدان أخرى، ولأننا نرى كذلك بأن ما يبغيه هؤلاء من تحركهم في هذه القضية هو ضرب خصومهم في مجلس الأمة والحكومة لتحقيق أجندة ليست لمصلحة البلد والواقع المحلي، وهم إذ يخوضون هذه المعركة التأزيمية الكبيرة يفعلون ذلك وهم مطمئنون إلى أن ارتباطاتهم وحساباتهم وهباتهم وممتلكاتهم سوف تكون في مأمن وسوف يتم حمايتها والتغطية عليها من قبل الحلفاء الإقليميين.
فنحن نرى من كل ما سبق بأنه لا يمكن توقع إنفراج في واقعنا السياسي الداخلي وإطفاء جذوة التأزيم والتأزيميين دون التطرق والتعامل مع الأسباب الإقليمية، وذلك إن تم بنجاح فإنه سيؤدي بلاشك إلى تجفيف منابع الوقود التي تغذي جذوة التأزيم فتعيد الكل إلى حالته ووضعه وحجمه الواقعيين.
د. ياسر الصالح
كاتب وأكاديمي كويتي
Twitter: @dryasseralsaleh
[email protected]