تحقيق / باستثناء «الجليب» و«فرصة ثانية» و«ساهر اليل» وبعض الأعمال

الدراما الرمضانية خرجت خالية الوفاض... وتجاهلت هموم الجمهور

1 يناير 1970 09:37 ص
| تحقيق مفرح حجاب |

انتهى الموسم الدرامي لشهر رمضان المبارك بكل ما حمله من أعمال بعضها نال إعجاب الجمهور وبعضها الآخر لم يترك أي صدى بل كان عبئاً على المشاهد لما حمله **من «شطحات» في المستوى الفني والتقني، وكانت لدى المشاهدين آمال وطموحات في ان تصل الدراما الخليجية الى مستوى أكثر تميزاً لاسيما في ظل هذا الانتشار الكبير وزيادة الطلب عليها وكذلك في ظل ارتفاع اجور العاملين فيها.

ويبقى السؤال المهم، هل ما تم تقديمه في شهر رمضان كان متوافقا مع طموحاتنا؟ أم أن الأعمال التي تم عرضها للجمهور كانت بحاجة الى اعادة النظر فيها؟ في هذا التحقيق نتعرف من خلال مجموعة من الكتاب والعاملين في الحقل النقدي والمهتمين بالشأن الدرامي على وضع الدراما الرمضانية وما تضمنته من أفكار إلى جانب إيجابياتها وسلبياتها:



الدكتور سليمان آرتي مساعد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية لشؤون الطلبة ورئيس قسم التلفزيون قال: الفرصة كانت ملائمة في رمضان لدراما تلفزيونية تعتمد على الكفاءة والمعايير العلمية إلا انه مع الأسف كان هناك إخفاق في وجود تيار فكري وفني يتبنى القيم الإنسانية، بل ركزت على تقديم الحالات الشاذة والمشاعر الإنسانية المحطمة، في الوقت الذي من المفترض ان نقدم معالجة أخلاقية واجتماعية واضحة للشخصية الدرامية، لذا فإن الدراما التلفزيونية تحتاج الى رسم الهوية حتى يكون هناك قفزات وتطور كما حدث في مسلسل «ساهر الليل».

وانتقد آرتي تكرار الوجوه الذي يحدث في الكثير من الأعمال الرمضانية والذي جعل المشاهد يشعر بعدم المصداقية فيما يقدمه هؤلاء، واضاف هذا التكرار كثيرا ما حدث حتى على القناة الواحدة وهو ما يعني غياب التنسيق في اختيار الأعمال التي تعرض للجمهور.

واشاد آرتي ببعض الأعمال وقال: كانت هناك اجتهادات للكثير من العاملين في الدراما لاسيما الذين استفادوا من التقنيات الحديثة الا اننا نريد دراما تحمل انضباطاً في الصراع وتوظيفاً للإضاءة بشكل جيد يتناغم مع المونتاج والمكساج، وأن تختفي الفجوة الموجودة بين النص والإخراج ويبتعد بعض المخرجين عن ابراز انفسهم، بمعنى ان يحافظ على الايقاع الفني له كمخرج حتى يقدم حالة من التشويق لدى المشاهد لأن الكويت مؤهلة ان تكون مكانا مزدهرا لصناعة الدراما في المنطقة العربية، وينبغي ان تكون هناك مرجعية للاعمال التراثية حتى لانشاهد أشياء غير مألوفة في هذه الأعمال او حتى بعض الكلمات او اللهجات اذا اردنا ان نرتقي بهذا اللون الدرامي الذي يحمل كثيرا من تراثنا وأصالتنا.

من جهتها؛ اعتبرت الكاتبة عواطف البدر أن الموسم الدرامي خلال رمضان لم يشهد تجديداً في مضمون الأفكار والأهداف التي يستفيد منها المشاهد، وقالت: الإشكالية تكمن في النصوص التي خرجت بعيدة كل البعد عن الواقع الذي نعيش فيه، فنحن نعيش الآن مرحلة صراعات في ظل المستجدات والأحداث العربية وكان يجب التلميح الى ذلك، مشددة على انها لاتطلب تقديم دراما سياسية وان كان من المفترض ان تقدم عملا يحمل ملامح وطنية بفكر جديد بعيدا عن التقليدية المعتادة، لهذا فإن كتاب الدراما يحتاجون الى تفكير ورؤية جديدة وأن يضعوا في الاعتبار ما يحدث من حولنا.

وفي ردها على أن الانفتاح في الأفكار والرؤى يواجه عصا الرقابة، أكدت البدر أن «المؤلف ليس المطلوب منه أن يقول ما يريد بشكل مباشر أو مبالغ فيه ولكنه مطالب بهدف ورؤية واضحة في النص تحترم عقلية المشاهد لأنه في النهاية يقدم عملا فنياً».

ومن جانبه؛ اعتبر المؤلف بدر محارب أن الاعمال التي قدمت لم تطرح هموم المواطن الكويتي الحقيقية، بل إن أحد الأعمال بالغ في هموم المواطن الكويتي وهو أمر بعيد كل البعد عن الواقعية.

وألمح محارب إلى أن أبرز إيجابيات الدراما خلال رمضان كانت استخدام التكنولوجيا الفنية وتقديم صورة متقدمة رغم بعض «الشطحات» التي مارسها المخرجون باستثناء المخرج محمد دحام الذي يحاول أن يتميزفي كل عمل يقدمه للجمهور من خلال رؤية إخراجية مختلفة وكان ذلك جليا في مسلسل «ساهر الليل».

أما نرمين الحوطي - الأستاذة بالمعهد العالي للفنون المسرحية - فرأت أن معظم ما عرض على شاشة رمضان من أعمال درامية مليء بالإسفاف ويهدف الى الكسب السريع وابتعد كل البعد عما يريده المشاهد، وقالت «كانت هناك عدم دراسة لهذه الأعمال ولم يتم تصنيفها بشكل جيد سواء دراما أسرية او اجتماعية او تراثية باستثناء مسلسل الجليب للفنانة حياة الفهد، وكان من الضروري طرح الحالة الوطنية في الدراما والبعد عن تقديم رجل يضع تاجا على رأسه».

وأوضحت الحوطي أن الإشكالية الحقيقية تكمن في منتج العمل لأنه المايسترو ويفترض ان يتحيز للمشاهد ويتفهم ان نجومية الممثلين ليست بهذه الفوضى التي نراها هنا ونشاهدها هناك.

وبدوره؛ اعتبر الدكتور راجح المطيري - أستاذ الدراسات التلفزيونية في المعهد العالي للفنون المسرحية - أن «الدراما الكويتية هذا العام وصلت الى «الهاوية» بسبب شركات الانتاج الذين يبحثون عن مردود مالي ضخم من خلال نصوص هابطة لا تستحق أن تشاهد، رافعين شعارات أخلاقية وفكرية تمسح عليهم صفات المصلحين الاجتماعيين حتى وان كانت اعمالهم لا تنم عن ذلك»، وقال: عند مشاهدتي للمسلسلات الرمضانية وجدت نفسي لا أستطيع أن أصمت تجاه هذا الانحلال الاخلاقي في بعض المسلسلات التي تشوه المجتمع الكويتي بطريقة لا يقبلها أي مواطن كويتي».

وتساءل المطيري: إلى متى سنظل نعاني من عدم وجود كتاب جيدين يستطيعون أن يقدموا دراما تؤثر ايجابيا على القيم الفكرية والسلوكية التي يموج بها المجتمع، فهناك القليل من الكتاب المبدعين الذين يكتبون النصوص الجيدة، والقصور هنا ليس فقط في النصوص في حد ذاتها، بل في تشابه الموضوعات والحشوه الداخلية شكلاً ومضموناً، حيث نجد اغلب المسلسلات خلال السنوات السابقة متشابهة في اختيار الموضوع او مشاكل وقضايا الاسرة كصراع المال وظاهرة الطلاق، مشيراً الى أن البعض جانب القصة والصراع والحبكة ويلجأ الى القصص التي تحقق الربح والعائد، حيث حصروا كتاباتهم ونصوصهم في قالب ضيق لضمان شراء تلك النصوص وابتعدوا عن المغامرة والتجربة مع انها تعد احد عناصر الابداع.

ولفت المطيري الى أن هناك الكثير ممن تميزوا في رمضان مثل الفنان خالد امين وهدى حسين في «علمني كيف أنساك» وإلهام الفضالة في «فرصة ثانية» وعبد الله التركماني وهيا عبد السلام في «ساهر الليل»، أما الاخراج فقد ظهر لدينا شاب صاحب موهبة وخيال واسع في الاخراج اسمه خالد الرفاعي من خلال مسلسل «الملكة».

من جانبه؛ تحدّث الناقد والكاتب علاء الجابر عن أن هناك تكرارا غير مدروس لأعمال ارتكزت على نجاح أعمال سابقة، وقال: ما ان ينجح عمل ما ضمن تركيبة معينة نلاحظ تقليد تلك التركيبة عشرات المرات دون أدنى وعي بأن ما قد ينجح مرة لا يمكن ان ينجح كل مرة، في فترة الثمانينات على سبيل المثال تدافع المنتجون لعمل مسلسلات تراثية للاطفال، ثم جاءت مسلسلات الثنائيات لكن الجمهور سرعان ما مل ذلك النمط وبات يبحث عن أنماط أخرى، ثم جاءت مسلسلات التسعينات بفخامة قصورها إلى أن وصلنا في السنوات الأخيرة إلى الأعمال التي تعتمد على مجموعة من الممثلات، فنجحت تلك الأعمال على المستوى الجماهيري على وجه الخصوص، لتكر السبحة ذاتها التي تركز على البنات، كما شاهدنا في تجربة الكاتبة هبة حمادة عبر «أم البنات» و«اميمة في دار الايتام» وصولا إلى «بو كريم»، بل ان التعاون السنوي بين منير الزعبي والكاتبة هبة والمجموعة التمثيلية ذاتها جعل تلك الأعمال وغيرها تدور في نفس الفلك على المستويين الدرامي والإخراجي أيضاً وكثيرا ما خيل للمتلقي أنه يشاهد شخصيات العمل السابق بحواراتها وملامحها باختلاف أسمائها فقط كما تكررت زوايا التصوير، وتشكيلات الحركة والعديد من الجوانب الفنية الأخرى.

وأضاف الجابر: استوقفني في دراما رمضان أيضاً تكريس سطوة النجم وأعني هنا بطل العمل فنجد أن الازياء والمكياج الذي يظهر به أبطال المسلسلات غالبا ما تكون خارج السياق واشير هنا إلى الشورتات خاصة والمكياج الصارخ والحديث حتى لو كان المسلسل تراثيا! مما يؤكد سطوة الممثل النجم على المخرج الذي يأخذ مساحات كبيرة تفوق الآخرين وهذا وضح بشكل كبير في مسلسل الملكة والشحرورة وفي حضرة الغياب وفاتنة بغداد، وعابد كرمان إلى حد ما، إلا أنه يحسب لمسلسل «بو كريم» تخلصه من سطوة النجم الأوحد لصالح المجموعة وهكذا في «فرصة ثانية» الذي آثرت فيه الممثلة سعاد عبد الله أن تكون جزءا من العمل الجماعي في خطوة جاءت لصالح العمل الذي تميز من بين معظم مسلسلات رمضان.

كما انتقد الجابر «الاستسهال الذي وقع فيه كثير من الاعمال الرمضانية بدليل اخطاء الراكورات التي يمكننا الاطلاع عليها عبر آراء القراء، ما يجعلنا نتأكد من أن القراء لا النقاد فحسب قادرون على كشف واصطياد الكثير من الأخطاء». وتابع: الاستسهال أيضاً وصل إلى اختيار أماكن التصوير بحيث كان التصوير الداخلي سيد المشاهد جميعا تبعته الـ«لوكيشنات» الثابتة أو الديكورات التي تتركز في نطاق جغرافي ضيق وممل توفيرا للانتاج والجهد».

وأشار إلى أن «هناك تماهٍ مزعج للواقع في بعض الأعمال دون الأخذ بعين الاعتبار أن العمل الفني لا يفترض ان يتطابق حرفيا مع الواقع ببطء ايقاعه ومفرداته التي لا تتناسب والذوق أحيانا، وتضمنت بعض المسلسلات جملاً ومفردات أقل ما يقال عنها أنها وقحة وتفتقر إلى الذوق والأدب بحجة انها تتماشى مع الواقع، متناسين أن الفن هو اعادة صياغة الواقع بأدوات فنية جديدة».

واستغرب الجابر من الاقتباسات التي تصل إلى حد التطابق في اعمال الكاتبة هبة حمادة وأعمال عربية واجنبية وأخرى، مشيراً إلى أن من يتابع التعليقات الذكية للقراء أوالمشاهدين يدرك أن الجمهور لا يتقبل مثل ذلك التوجه، متمنياً من المنتجين «أن يتخلصوا من نظام الشلل في الاعمال الفنية حتى لا يمل المشاهد تلك التركيبة الساذجة التي لابد أن يسيطر عليها مخرج واعٍ يدرك أن الإخراج تفسير للنص ومعالجة الخلل فيه بعيدا عن الطابور الجماعي للممثلين في اللقطة الواحدة وتوزيع الحوارات بشكل متساوٍ وكأننا في طابور تموين يتطلب العدالة التامة!».