د. حسن عبدالله عباس / ثورة العرب بلا فكر ثوري!

1 يناير 1970 06:16 ص
بالتأكيد أن أكثر مراحل الربيع العربي صعوبة وخطورة باتت في حكم الماضي، فعقدة الخوف والتغلب على آلة القمع الأمنية أصبحت من المسلمات ومستلزمات الواقع الحياتي الحالي لدى هذه المجتمعات التي صارت تقول كلمتها وتفرض رأيها بلا تردد، بل بعضها قد أنجز المهمة وقطع شوطاً أبعد من حيث التغيير وإقالة السلطة واستبدالها بأخرى. فهي حتماً أصعب حلقات سلسلة التغيير باتجاه الكرامة والعزة. لكن السؤال هل هذا كاف؟ هل استوفى العرب وظيفتهم لمجرد بلوغهم مرحلة تغيير الهويات والشخصيات؟

بداية نقول إن ما يميز الثورات العربية مقارنة بالاوروبية أن الثانية لم تحصل إلا بعد التمهيد «الفكري» الضروري لها. فالثورات الاوروبية سبقتها حملات كبيرة وجهود شاقة من الترويض الفكري للشعوب على يد مفكرين أمثال ديكارت وجاليليو ونيوتن وكانط وهوبز ولوك، وأدباء على شاكلة فولتير. فأولئك حضّروا الأرضية المناسبة حتى تسير الثورات لهدف واضح ومحدد ولتُستبدل المفاهيم جذرياً وليُستعاض عنها بأخرى. فمصطلحات من قبيل المركزية، والنبلاء، وممثل الرب على الأرض، الحاكم المطلق، مصطلحات ومفاهيم كهذه استُبدلت بأخرى من قبيل الديموقراطية، والشعب، وفصل الدين عن الدولة، وحقوق الأفراد، والدستور، والعقد الاجتماعي.

فما يلفت النظر هنا وبالنسبة للثورات العربية أنها ثورات تسير بغير هدى فكري واضح. فبرغم اتمام أهم وأصعب حلقة في السلسلة، إلا أن هذه الثورات لم تستطع لحد الآن وبرغم مرور أشهر على سقوط أعتى الأنظمة السلطوية كالمصري، برغم ذلك مازال النظام السياسي قاصراً عن تأسيس دولة مدنية جديدة بمواصفات مستحدثة ومستلهمة من شعارات فكرية أصيلة وأصلية منبعها المفكرون الثُوّار. أما المشكلة الثانية التي تهدد نجاح الربيع العربي فمردها لتلك المطامع والمكائد الاجنبية. نعم صحيح أن أخطر ما في الأمة العربية ولدرجة أنها قد تفوقت على مثيلاتها الاوروبية هو تقارب شعوبها ووحدتها الثقافية. فالتوحيد الفكري الثقافي قد تكون ميزة توفرت للعرب وافتقرت إليها ثورات أخرى كالدول الكنسية الاوروبية في القرون الماضية. نعم هي ميزة، ولكنها من زاوية أخرى كابوس مستمر وخطر داهم للاوروبيين والغرب وتهديد وشيك الوقوع ما لم تُتخذ تلك الدول احتياطاتها واحترازاتها. لهذا السبب ترى أن المبادرات الاوروبية والأميركية توالت على الثورات وقياداتها لتقديم المساعدات (تعهدت الدول الصناعية الثمانية قبل أيام بتقديم ضمانات مالية للربيع العربي!) لمساندتها وفك عقدتها مع كل الضغوطات الاقتصادية والديون الهائلة التي تعانيها منطقة اليورو والولايات المتحدة (خفضت ستاندرد اند بورز تصنيف إيطاليا بعد أميركا).

لهذا لك أن تقارن بين نجاح الثورة الإيرانية، وبين تعثر الثورة المصرية والتونسية لحد الآن (فقدان التمهيد الفكري)! كما أريدك أن تكتشف كم الفارق كبير بين سقوط النظامين التونسي والمصري بفضل جهود الثوار، وبين الاستحقاقات التي يجب أن يدفعها الليبيون لرد الجميل الغربي (التدخل الأجنبي)!





د. حسن عبدالله عباس

كاتب كويتي

[email protected]