د. وائل الحساوي / نسمات / Never Too Late

1 يناير 1970 01:30 ص
هنالك قصة ذكرتها سابقاً عن رجل كان يدخل سوق السمك كل يوم ليشم ذيل السمك، فسألوه عن السبب فقال: أريد أن أتأكد أن السمك غير عفن قبل شرائه، فقالوا له: ولكن الناس تشم الرأس لا الذيل، فقال: إن الرأس قد أصابه العفن منذ زمن طويل ولكني أحاول التأكد من أن ذلك لم يصل إلى الذيل!!

إن الحديث عن الأرصدة المليونية لبعض النواب لا يمثل إلا الجزء الطافي من الجبل الجليدي بينما الفساد الحقيقي أكبر بكثير مما هو ظاهر، فنحن أمام قضية أخلاقية خطيرة لا تنتشر في أمة إلا وتؤذن بهلاكها مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا ضيعت الأمانة فارتقب الساعة، فقالوا: وما إضاعتها؟! فقال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».

ولا شك أننا بملء إرادتنا واختيارنا قد سلمنا رقابنا إلى شلة من المفسدين الذين لا دين لهم ولا خلق مهما تسموا من أسماء ورفعوا شعار التقوى والأمانة، ولم نكتف بايصال هؤلاء المفسدين إلى ذمة أهم مؤسسة تشريعية ورقابية تهيمن على شؤون البلد، بل وسكتنا عن انحرافاتهم ومواقفهم الملتوية ولم نكلف أنفسنا محاسبتهم أو حتى سؤالهم عن سبب المواقف المنحرفة التي يتخذونها.

حتى الشرفاء من النواب قد تقاعسوا عن تشريع قوانين تضمن محاسبة المسؤولين في الدولة لا سيما من يدخل المجلس أو الحكومة، وكلما طرح عليهم الناس مشروع قانون (من أين لك هذا؟) تهربوا منه ودحرجوه إلى الخلف ربما لأنهم غير مقتنعين بوجوب محاسبة مسؤولي الدولة مع أن هذا المبدأ الإسلامي الأصيل تطبقه جميع الدول المتحضرة.

في اعتقادي أن ضريبة إصلاح تلك الأوضاع المنحرفة ستكون باهظة الثمن - في حال اقتنعت السلطة بالإصلاح - فقد تجاوزنا اليوم موضوع ضرورة حل مجلس الأمة سيئ الذكر، وأصبح ذلك الحل مستحقاً، لكن الأهم هو اختيار قيادات حكومية أمينة وقوية وايقاف مجاملة أشخاص ثبت أنهم مفسدون، كذلك انتخاب نواب مخلصين وأمناء على البلد.

وفي حالة تولي أناس صالحين لدفة القيادة فإنني أعتقد بأنهم سيجدون أنفسهم في مأزق كبير بسبب الخراب الذي استشرى في جميع شرايين المجتمع بدءاً بتعويد الناس على إهمال العمل وتسييب الأمور ثم التعامل مع التعيينات السيئة التي تمت إرضاء لفئات في المجتمع ثم السعي لايقاف عجلة الإنفاق العشوائي في الميزانية وتضخم الميزانية والتي تسببت في زيادة نقمة الناس واضراباتهم بدلاً من رضاهم الى أمور كثيرة لا ندري كيف سيتم إصلاحها، لكن لابد من البدء الآن قبل أن يتحقق التوقع الأميركي من انهيار الدولة عام 2020، فهل تبادر القيادة إلى تدارك ما فات؟! هذا ما نتمناه ونرجوه.





د. وائل الحساوي

[email protected]