شيخ الحنابلة وآخر تلاميذ العلامة السعدي
العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل في ذمة الله بعد رحلة مع المرض
1 يناير 1970
04:44 م
انتقل إلى رحمة الله تعالى شيخنا العلامة القاضي عبدالله بن عبد العزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة للقضاء الأعلى سابقاً في المملكة العربية السعودية شيخ الحنابلة وآخر تلاميذ العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمهما الله تعالى فى المستشفى التخصصي في الرياض بعد ظهر الثلاثاء (7شوال 1432) وكان وقع خبر وفاته على تلامذته ومحبيه جسيما أليما ولا نقول إلا ما يرضي الله فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذه ترجمة تعرف بالشيخ ابن عقيل رحمه الله تعالى.
اسمه ونسبه:
هو شيخنا العلاَّمة العامل الفقيه القاضي عبدالله بن عبد العزيز بن عقيل آل عقيل، أبو عبدالرحمن العُنزي- نسبة إلى بلدة عُنيزة- يرجع أصلهم إلى المدينة المنورة، إلى السادة العقليين، كانت ولادته في عنيزة في 1/7/1335هـ ( 13/4/1917م).
طلبه للعلم ومشايخه:
نشأ في كنف والده، الوجيه الشيخ عبد العزيز العقيل، الذي يعتبر من كبار رجالات عنيزة المشهورين، ومن أدبائها وشعرائها، وهو معلمه الأول. وقد نشأ بتوفيق من الله في بيت علم، فإلى جانب والده الشيخ عبد العزيز، فإن أخيه الأكبر الشيخ عقيل بن عبد العزيز العقيل وهو من حَمَلهُ لطلب العلم، وكان قاضياً لمدينة العارض فى جيزان جنوبي المملكة، كما أن عمه الشيخ عبدالرحمن بن عقيل كان قاضياً لمدينة جيزان، فاستفاد من هذه البيئة العلمية وترعرع فيها.
درس العلوم الأولية فى مدرسة الأستاذ صالح ابن صالح، ثم في مدرسة الداعية المصلح الشيخ عبدالله القرعاوي، كما استفاد من الشيخ عبدالله بن مانع ، والشيخ عبدالله المطرودي، والشيخ محمد بن علي التركي، والشيخ سليمان العمري، فقرأ عليهم صحيح البخاري وزاد المستقنع ومنظومات العقيدة ومختلف الفنون.
حفظ العلاَّمة شيخنا ابن عقيل القرآن الكريم، وعدداً من المتون مثل عمدة الحديث، ومتن زاد المستقنع، وألفية ابن مالك في النحو، وغير ذلك.
وبعد اجتيازه لهذه المرحلة بتفوق التحق بحلقات عنيزة وعلامة القصيم والجزيرة في وقته الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، وحضر حلقات الدرس التي كان يديرها.
وقد لازمه ملازمة تامة، فتعلم عليه القرآن الكريم، والتفسير، والتوحيد ، والحديث، والفقه، واللغة، واستفاد منه كثيراً، وتأثر بسلوكه وسمته.
كما استفاد من مشايخ عنيزة الموجودين آنذاك مثل : الشيخ المحدث المعمّر علي بن ناصر أبو وادي (ت1361هـ) فقرأ عليه: الصحيحين، والسنن، ومسند أحمد، ومشكاة المصابيح، وأخذ عنه الإجازة بها بسنده العالي عن شيخه محدث الهند نذير حسين (ت1320هـ) حين ارتحل إليه عام 1299هـ.
وفي الوقت الذي عمل فيه الشيخ عبدالله قاضياً في مدينة الرياض لم يأل جهداً في الاستفادة من سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، فلازمه واستفاد منه علمياً وانضم إلى حلقاته التي كان يعقدها في فنون العلم المتعددة، كما استفاد منه أثناء العمل معه في دار الإفتاء لمدة خمسة عشر عاماً.
ولقد استفاد من العلماء الأجلاء الذين وفدوا على مدينة الرياض للتدريس في كليات الشريعة، أمثال العلامة محمد الأمين الشنقيطي، صاحب «أضواء البيان» المتوفى 1393هـ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، المتوفى 1415هـ وغيرهما.
الوظائف التي تقلدها:
كان لتوفيق الله له ثم لقوة عزمه وجده واجتهاده وتحمله للمسؤولية أن اختير في مطلع شبابه عام 1353هـ كان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً مع المشايخ الذين أمر الملك عبد العزيز بابتعاثهم قضاة ومرشدين إلى منطقة جيزان، فكان نصيب الشيخ عبدالله مع عمه الشيخ عبد الرحمن بن عقيل قاضي جازان أن عمل ملازماً له وكاتباً ، مع ما كان يقوم به من الإمامة، والخطابة، والحسبة، والوعظ، والتدريس وفي تلك الفترة وأثناء مكوثه في جازان خرج مع الهيئة التي قامت بتحديد الحدود بين المملكة واليمن، حيث ظلت تتجول بين الحدود والقبائل الحدودية بضعة أشهر من سنة 1355هـ.
وفي عام 1357هـ رجع الشيخ إلى بلدته عنيزة، ولازم شيخه العلامة ابن سعدي مرة أخرى بحضور دروسه ومحاضراته حتى عام 1358هـ، حيث جاءت برقية من الملك عبد العزيز لأمير عنيزة بتعيين الشيخ عبدالله لرئاسة محكمة جازان خلفاً لعمه عبدالرحمن، فاعتذر الشيخ عن ذلك، فلم يُقبل عذره، فاقترح الشيخ على الشيخ عمر بن سليم التوسط بنقل الشيخ محمد بن عبدالله التويجري من «أبو عريش» إلى جازان، ويكون هو في «أبو عريش»، فهي أصغر حجماً وأخفّ عملاً، فراقت الفكرة للشيخ عمر بن سليم، فكتب إلى الملك عبد العزيز الذي أصدر أوامرهُ بذلك، ومن ثم سافر الشيخ إلى «أبو عريش» مباشراً عمله الجديد في محكمتها مع القيام بالتدريس والوعظ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان ذلك في رمضان من سنة 1358هـ.
وفي سنة 1359هـ نقل الشيخ إلى محكمة «فَرَسَان»، لكنه لم يمكث طويلاً فما لبث أن أعيد إلى محكمة «أبو عريش» مرة أخرى ومكث فيها قاضياً لمدة خمس سنوات متتالية.
وفي رمضان سنة 1365هـ نقل الشيخ بأمر من الملك عبد العزيز إلى محكمة الخرج، وذلك باقتراح من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ولم يدم مكوث الشيخ عبدالله في محكمة الخرج إلاَّ قرابة السنة حيث تم نقله إلى المحكمة الكبرى في الرياض، وقد كان ذلك في شوال سنة 1366هـ.
ظل الشيخ قاضياً في الرياض حتى سنة 1370هـ إلى أن أمر الملك عبد العزيز بنقله قاضياً بعنيزة مسقط رأسه ومقرّ شيخه العلامة عبدالرحمن بن سعدي، حيث لم يمنعه منصبه وموقعه وهو قاضي عنيزة - من متابعة دروسه العلمية والاستفادة من شيخه أثناء مكوثه في عنيزة، وقد أشرف خلال هذه الفترة على إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة عنيزة.
وقد ظل الشيخ قاضياً لعنيزة حتى سنة 1375هـ. وفي تلك الأثناء افتتحت دار الإفتاء في الرياض برئاسة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعين الشيخ عبدالله بن عقيل عضواً فيها بأمر الملك سعود، وباشر عمله في رمضان 1375هـ.
وأثناء عمل الشيخ عبدالله في دار الإفتاء أصدر مجموعة من العلماء برئاسة سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ صحيفة إسلامية سميت بـ«الدعوة» وكان فيها صفحة للفتاوى، تولى الإجابة عليها أول أمرها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ثم وكل للشيخ عبدالله بن عقيل تحريرها، والإجابة على الفتاوى التي ترد من القراء، وهي التي نتج عنها مجلدان حافلان فيهما فتاوى العلامة ابن عقيل.
وبعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاة أمر الملك فيصل بتشكيل لجنة للنظر في المعاملات الموجودة في مكتبه كرئيس للقضاة، فترأس الشيخ عبدالله بن عقيل تلك اللجنة، التي سُميت اللجنة العلمية، وقد ضمت في عضويتها كلا من الشيخ محمد بن عودة، والشيخ راشد بن خنين، والشيخ عبدالله بن منيع، والشيخ عمر المترك.
وما إن انهت اللجنة أعمالها حتى انتقل الشيخ ابن عقيل في عام 1391هـ بأمر الملك فيصل إلى عضوية هيئة التمييز، بمعية كل من الشيخ محمد بن جبير، والشيخ محمد البواردي، والشيخ صالح بن غصون، والشيخ محمد بن سليم، ورئيسهم الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد.
وفى عام 1392هـ تشكلت الهيئة القضائية العليا برئاسة الشيخ محمد الحركان، حيث تعين فيها الشيخ عبدالله عضواً، إضافة على عضويته في الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى، وذلك في أواخر عام 1392هـ، ثم عُين رئيساً للهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى إثر انتقال الشيخ محمد الحركان إلى «رابطة العالم الإسلامي» وتعيين الشيخ عبدالله بن حميد خلفاً له في رئاسة المجلس، كما كان الشيخ عبدالله بن عقيل يترأس المجلس الأعلى للقضاء نيابة عن الشيخ عبدالله بن حميد أيام انتدابه، وأيام سفره للعلاج، وبعد وفاته إلى حين تعيين رئيس جديد.
وقد اختير الشيخ عبدالله بن عقيل لعضوية مجلس الأوقاف الاعلى ابان إنشائه في سنة 1387هـ، واستمر في عضويته إلى جانب أعماله التي تقلدها حتى بلغ السن النظامي للتقاعد في سنة 1405هـ.
عمله بعد التقاعد:
لم يكن تقاعده تقاعداً كلياً عن الأعمال، فالشيخ ابن عقيل كان يترأس إلى عهد قريب الهيئة الشرعية التي أنشئت للنظر في معاملات شركة الراجحي المصرفية للاستثمار مع ثلة كريمة من العلماء، وتولى أمانة هذه اللجنة ابنه الشيخ عبدالرحمن ابن الشيخ عبدالله بن عقيل وفقه الله تعالى لكل خير.
كما أنه لم يتوقف منذ تقاعده، عن توصيل العلم، فمجلسه العامر في منزله الكريم لا يخلو من الخير، فلا تكاد تجده إلا وهو يعلِّم، او يفتي، او يفك عبارة مستغلقة لطلبة العلم، او يرّد على الهاتف ليشفي بفتواه حاجة المستفتين، أو يكتب مقدمة لرسالة علمية أو يصحح متناً، أو يجيز متعطشاً مستجيزاً من بحر علمه، كل ذلك مع حسن استقبال للوافدين عليه، وكرم ضيافة فاق الوصف شكر الله تعالى له.
زيارته للكويت:
زار الكويت أكثر من مرة بدعوة رسمية من وزارة الأوقاف الكويتية بمتابعة خاصة من تلميذه الشيخ فيصل يوسف العلي مدير الشؤون الفنية في الوزارة سابقاً، وكانت زيارته عام 1426هـ حيث قرئ عليه عدد من الرسائل العلمية، وكانت زيارته الثانية عام 1428هـ بدعوة رسمية من وزارة الوقاف أيضاً، وقرئ عليه» ثلاثيات مسند الإمام أحمد»، و«اخضر المختصرات» ، كما قرئ عليه أيضاً « الأربعون في فضل المساجد وعمارتها» بأسانيده وكذلك «النوافح المسكية» وغير ذلك، ومازال طلبته ومحبوه يرتحلون إليه ليقرأوا عليه ويستزيدوا من علمه وقد نشط تلامذته ونشروا شيئا من مؤلفاته ومراسلاته مع شيخه العلامة ابن سعدي كما انه قدم لكثير من الرسائل العلمية بقلمه اللطيف وأسلوبه الجميل.
مرضه ووفاته رحمه الله تعالى:
بدأت بوادر المرض تداهمه بعد أن صام شهر رمضان عام 1431هـ في مكة على عادته كل عام، واشتد عليه المرض في شوال في تلك السنة واستمر معه فترة ذهب خلالها للعلاج إلى ماليزيا واستفاد بفضل الله وتعافى كثيرا وعاد للتدريس بطريقة مخففة مراعاة لظروف صحته، لكنه ما لبث ان أصيب ما يشبه الجلطة فلازم المستشفى التخصصى فترة طويلة وزرناه في المستشفى مع الأخ الشيخ فيصل يوسف العلي ورافقنا الأخ الشيخ أنس العقيل، وصافحناه وهو راقد وعليه أجهزة العلاج ، واستمر على هذه الحالة وهو راقد يحس بمن يصافحه لكن لا يقدر أن يتكلم، رفع الله قدره في عليين وجعله من المرحومين المرضيين اللهم آمين، وكانت وفاته رحمه الله الساعة 2:11 بعد الظهر في المستشفى التخصصي في الرياض.
كتبه تلميذه
د. وليد عبدالله المنيس< p>