د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / الإعلام بين الفردية والمؤسسية

1 يناير 1970 03:38 م
إذاعة صوت العرب - التي كانت تبث من القاهرة- لعبت دورا كبيرا في التفاف كثير من الجماهير العربية العريضة حول الزعيم جمال عبدالناصر، وأفكاره القومية، تلك الآلة الإعلامية التي سلطت الضوء على خطابات وفكر عبدالناصر لتتردد أصداؤه في كل بيت في العالم العربي من المحيط إلى الخليج دون استثناء.

تلك كانت الاداة الإعلامية أيام الثورات العربية السابقة، والتي قلبت الهزائم النكراء إلى انتصارات باهرة، عبر الأثير فقط، بينما الواقع يشهد عكس ذلك تماما، وهو دور خطير يلعبه الإعلام في المفاصل التاريخية لأي أمة.

وقد شهدنا نحن الجيل الحالي دور قناتي الجزيرة والعربية وتنافسهما في تغطية أحداث الثورات العربية، ابتداء من تونس مرورا بمصر وليبيا، ثم اليمن والبحرين، وأخيرا سوريا الجريحة، كما شهدنا دورهما الفعال في التأثير على مواقف الحكومات العربية، وعلى الشعوب في الوقت ذاته.

لقد أصبح الإعلام يلعب دورا استراتيجيا في أي معركة، لا يقل هذا الدور عن الدور العسكري الحقيقي، فهو يحشد الطاقات، ويوجه ويحفز، وقد يكون جزء من التكتيكات العسكرية قصيرة المدى، لصرف الانتباه لقضية معينة، والمباغتة في مجال آخر، كما كان واضحا في دعم ومساندة قناة الجزيرة للثوار الليبيين في الهجوم على طرابلس.

وكما للإعلام دور في التكتيكات قصيرة المدى، فله دور مهم أيضا في صياغة الاستراتيجيات بعيدة المدى، والخاصة بصياغة الهوية الوطنية، والصورة الذهنية التي تنطبع في أذهان الآخرين، والتي يجب أن تخضع للاستراتيجيات العامة للدولة، سواء في الإعلام الرسمي أو الخاص، فنحن وإن كنا لا ندعو لتقييد الحريات، إلا أن وجود استراتيجيات إعلامية لوسائل الإعلام الرسمي والخاص من شأنه أن يسهم في أي خطة تنمية.

إن الإعلام سلاح ذو حدين، وقد حدث تحول كبير في وسائل إعلام عصرنا هذا، والذي لم تعد تتحكم فيه الدول والأحزاب فحسب، بل أصبح بإمكان أي شخص افتتاح قناته الخاصة على الإنترنت، كما بإمكانه تأسيس صحيفة إلكترونية من دون الرجوع إلى مقص الرقيب، عدا مواقع الشبكات الاجتماعية واسعة الانتشار كالفيسبوك والتويتر، والتي أعادت تشكيل معنى المراسل الخاص ليشمل كل من يشارك فيها، وبدأ «إعلام الفرد» يتضخم على حساب «إعلام المؤسسة»، لتختلف قواعد اللعبة مع مرور الوقت، وتزايد وتيرة ذلك التضخم، ليطغى تأثير الفرد على المؤسسة.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

Twitter : @Dralsuraikh