أعدمت الطلاب في بنغازي والقذافي اعتبرها واحدة من أعمدة العنف والتنكيل بأعداء نظامه

اعتقال «شانقة الرجال ومصاصة دماء الليبيين»

1 يناير 1970 06:07 م
| لندن - من كمال قبيسي «العربية نت» |

أجمل هدية تلقاها الليبيون في عيد الفطر هي سماعهم اول من أمس نبأ اعتقال «الشانقة» كما يسمونها.

ولم تأت وكالة «آنسا» الايطالية التي بثت الخبر في أسطر قليلة على كيفية اعتقالها أو في أي مكان بطرابلس الغرب تم الاعتقال، لكن الخبر الصغير كان كافياً ليشيع الفرح بين الليبيين الذين يصفون هدى بن عامر بمصاصة دماء الليبيين، والتي قال عنها أحد ثوارهم على التلفزيون: اذا فشلنا بالثورة فستشنقنا هدى بن عامر كلنا.

هدى بن عامر، التي أحرق الثوار فيلتها في منطقة طابلينو في بنغازي بعد أسبوع من بدء «ثورة 17 فبراير» على نظام القذافي، كانت أخطر امرأة في ليبيا، وربما في الشرق الأوسط كله، وطوال 27 سنة اعتبروها ركناً أساسياً لبطش القذافي بالليبيين.

وكانت عضواً في حركة اللجان الثورية، وشاركت بعمليات اعدام عدة، وقادت مداهمات لبيوت من استهدفهم النظام من معارضيه. كما شغلت مناصب متنوعة، آخرها «أمين اللجنة الشعبية العامة لجهاز التفتيش والرقابة الشعبية». واعتاد القذافي استخدامها لتخويف وزرائه وكبار موظفيه عبر تسليطها عليهم، كما الأسد على المصارعين بحلبات المصارعة الرومانية قبل 2000 عام.

وشغلت بن عامر أيضاً منصب رئيسة بلدية بنغازي مرتين، و«أمينة شؤون المرأة في مؤتمر الشعب العام»، ثم تم اختيارها نائباً لرئيس البرلمان العربي في 2008، ثم رئيسة للبرلمان خلفاً لمحمد جاسم الصقر، الذي أعلن استقالته في 2009 من المنصب، فترأست اجتماع أعضائه من البرلمانيين العرب.

كما استقبلها رؤساء عرب رسمياً، ومنهم الرئيس السوري بشار الأسد في بداية العام الماضي، الى أن عزلوها قبل 5 أشهر عقاباً على ما كان يفعله القذافي بالمتظاهرين والثائرين على نظامه.

«ودامت أفراحكم بالفاتح عامرة» بيتها في بنغازي بعد احراقه ويبدو أن «الشناقة» ورثت جينات الاجرام عن والدها، فتحي بن عامر، الشهير بقصة عنه يعرفها معظم الليبيين: في 1973 أعلن العقيد القذافي عن رغبته بالاستقالة، هكذا من دون سبب، وحين سمع فتحي الخبر توجه الى المدينة الرياضية في بنغازي متأبطاً ابنه الرضيع، وهناك وضع السكين على عنقه أمام محتشدين على المدرجات بالآلاف وهدد بذبحه اذا لم يعدل القذافي عن استقالته، فكان له من مسرحية الاستقالة ما أراد بعد عودة القذافي عنها، وراح يقربه اليه.

هدى بن عامر التي أبصرت النور في 1954 ببلدة المرج المجاورة لبنغازي، متزوجة من الليبي يونس معافة وأم لابنين، وكان القذافي تولى شخصياً عقد قرانهما حين كانت ترافقه في 1982 بزيارة خاصة للجزائر، وكانت بطاقات الدعوة لحفل الزفاف مذيلة بعبارة «ودامت أفراحكم بالفاتح عامرة» بحسب ما يكتبون ويقولون.

يذكرون أيضاً أنها انخرطت في «حركة الراهبات الثوريات» منذ تأسيسها، وكانت ضمن طالبات ارتبطن بالقذافي، وانخرطت منذ بداية دراستها بجامعة غاريونس. كما انخرطت ببداية 1976 في الطلائع الثورية، المصنفة على أنها النواة الأولى لحركة اللجان الثورية.

أما مشاركاتها العنفية فبدأت باكرا، ولم تكن أتمت الـ21 من عمرها بعد، ففي 1973 شاركت بالزحف على الاذاعة ببنغازي، كما في الحملات ضد الطلاب من 1972 الى 1985 وغيرها، اضافة الى مشاركتها في «حملة الارهاب» التي تلت أحداث مايو 1984 الشهيرة، وهي الأحداث التي توجتها على عرش الفتك والتنكيل، خصوصاً يوم اعدام الطالب الليبي الصادق الشويهدي، وكان يومها بعمرها تماماً، أي 30 عاما.

وكان الصادق حامد الشويهدي، عاد من الولايات المتحدة في مارس ذلك العام بعد تخرجه بهندسة الطيران، وبدأ من فوره بتشكيل حملات معارضة لحكم العقيد القذافي باسم «جبهة انقاذ ليبيا» وسريعاً وقع وبعض شركائه بالأسر، فأحضروه يوم 5 يونيو 1984 وكان ثاني أيام رمضان، الى «مجمّع سليمان الضراط الرياضي» في المدينة الرياضية في بنغازي، ثم أجلسوه على الأرض مكبّل اليدين وقرأوا عليه مذكرة الاتهام، وبعدها حكم الاعدام.

وما أن سمع الذين حاكموه شعبياً بالحكم، ومن بينهم كانت هدى بن عامر وأختها سلوى، حتى ركضوا داخل المجمّع الرياضي أمام الآلاف مرددين شعارات ثورية، ثم ارتجلت بن عامر عبارتها الشهيرة وقالت: «صفيهم بالدم يا قايد. سير ولا تهتم» (..) «ما نبوش كلام خواني، نبو شنقاً في الميداني» أي لا نريد سماع كلام الخائن، بل شنقه في الميدان، وهو ما أصبح ماركة مسجلة باسمها بين الليبيين.

الطالب الليبي الصادق الشويهدي اعدم لكنه ظل حياً، وفي ذلك الجو من الهيجان الغوغائي نقلوا المشنقة الى منتصف ساحة المجمّع وجاؤوا بالشويهدي اليها وهو متهالك ويردد باكياً: «يانا عليّ يا يمى» بحسب ما بدا في فيديو شهير لمحاكمته واعدامه، ووضعوا الحبل في رقبته، ثم ركلت هدى بن عامر الكرسي من تحت قدميه، فهوى الشويهدي، الا أنه فاجأ الجميع وظل يفرك قدميه باستمرار، في اشارة دلت بأن عملية الاعدام لم تنجح وبأنه لم يمت.

ولم تحتمل هدى بن عامر رؤية العملية تفشل أمام الآلاف، فأسرعت وأمسكت بقدميه وراحت تشدهما كما المجنونة المسعورة ليلفظ أنفاسه، حتى توقف المسكين عن الحركة تماماً، فأنزلوه وقام طبيب بفحصه للتأكد من وفاته، وكانت مفاجأة ثانية حين اكتشف الطبيب أن الصادق ما زال حياً أيضاً، عندها نقلوه الى مستشفى قريب.

وفي المستشفى أجرى له الأطباء عملية تنفس اصطناعي، ووجدوا أن أنفاسه عادت بسرعة الى انتظامها الطبيعي، وما كادوا يهللون فرحاً الا ونغصت عليهم الأوامر القذافية فرحهم، لأن العقيد القذافي أمر بالاجهاز عليه، ولأن الأطباء رفضوا قتله، فقد انبرى «الثوريون» لتنفيذ المهمة فوضعوا جورباً في فمه مثقوباً وبه رمال، وكلما كان يتنفس كانت حفنة رمل تسد منافسه حتى همد ومات.

وتفتحت عينا القذافي على هدى بن عامر منذ ذلك اليوم التاريخي في حياتها، وراح يعتبرها واحدة من أعمدة العنف والتنكيل باعداء النظام، أما هي فأقبلت على المنصب اقبالاً عز نظيره، الى درجة أنها شاركت باعدام 7 طلاب مرة واحدة في 1987 في المدينة الرياضية في بنغازي.

ثم كرت السبحة على أعداء النظام أو الذين يفكرون بمعاداته، وراحت هدى بن عامر تكتسب مع الوقت ما يجعلها تستحق لقب «الشناقة» عن جدارة، الى درجة وضعوها ضمن لائحة من 38 شخصية برسم الاعتقال، الى أن اعتقلوها اول من أمس، وعقابها معروف لليبيين منذ الآن.

يتحدثون عن هدى بن عامر أيضاً بأنها اختلست ملايين الدولارات، وبأنها كانت شيطاناً في ثياب امرأة، وترهب الليبيين بسيرها دائماً وفي حزامها مسدس أوتوماتيكي، وكانت تكره بنغازي وتهين أهلها باستمرار، وفي احدى المرات خطبت وقالت: «هنا لا يوجد رجال... أنا الرجل الوحيد في بنغازي».

وقليلون يعرفون أن أمراً أصدرته هدى بن عامر في 17 فبراير 2008 باطلاق النار على متظاهرين ليبيين خرجوا غاضبين احتجاجاً على الرسوم المسيئة للرسول في الدنمارك، وبقي في ذاكرة الليبيين، ولم ينسوه، حتى اختاروه اسماً لانتفاضتهم، فولدت «ثورة 17 فبراير» وانتصرت.